ملحمة بائع البطيخ


'ِِ لا أحد فوق القانونِِ' سمو الشيخ صباح، في لقائه مع قياديي الدولة.

هذه قصة واقعية من الصعب تصديق أحداثهاِ ولو لم أكن طرفا فيها لما صدقتها ايضا.
يقوم بائع بطيخ بعرض بضاعته في الشارع بجانب 'سبيل ماء' على مدخل شارع المسجد الأقصى باتجاه البحر، مستظلا بشجرة ومتكئا على جذعهاِ وقد تطورت تجارته غير القانونية مع الزمن، واصبح يبيع في رمضان قطع الثلج وحاويات اللبن.
بسبب خطورة المكان الذي يقبع فيه، والذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن إشارة مرور، وكم القذارة التي يتسبب بها كل يوم، اضافة الى وضعه المخالف لكافة أنظمة الصحة والنظافة والتجارة وقوانين البلدية، فقد قررت في يوم ما، وكان ذلك قبل ستة أشهر، التحدث معه والطلب منه عدم البيع في ذلك الموقع الخطرِ تبين لي أنه من فئة غير محددي الجنسية، وأنه يقف في تلك المنطقة منذ أكثر من سنة وزبائنه تعودوا على الشراء منهِ طالبته باخلاء المنطقة من بضاعته ومركبته، تجنبا لوقوع المزيد من الحوادث!ِِ وافقني البائع المخالف على الفور بأن المكان الذي يبيع فيه خطر، ووعد بإخلائه في اليوم التاليِ ولكنه عاد ل'التبسط' في المكان نفسه المرة تلو الأخرى، مما دفعني لتهديده بابلاغ أمره للبلديةِ ولكن أساريره انفرجت عن ابتسامة لم أعرف معناها في ذلك الوقت، ولو حدث ذلك لوفرت على نفسي الكثير، عندما هددته بالبلدية!
بعد انتظار اسبوع دون جدوى واصرار ذلك البائع على الوقوف في ذلك المكان الخطر قررت الاتصال بالسيد ابو عبدالله، مدير بلدية محافظة حولي على هاتف 5721480، ولكنه لم يكن في مكتبه، وطلبوا مني بدلا من ذلك الاتصال ب'مشعل' على رقم 5748029، الذي وعد بدوره بحل الموضوعِ بعد مرور عشرة أيام دون تغيير، أعدت الاتصال بمكتب المدير فتم تحويلي للسيد 'الصافي'، الذي يدير خدمة الخط الساخن 855550! وهو ما ذكرني بخط الهاتف الذي يربط البيت الأبيض بالكرملين، فاستبشرت خيرا.
حظي مع الخط الساخن، وبعدها مع الاخوة أبو عبدالرحمن العدواني وأبو علي لم يكن بأحسن من حظي مع من سبقهمِ بعد الحاح ورجاء أعطتني سكرتيرة تعمل في مكتب المدير رقم 'ساخن' آخر مخصص لطوارئ البلدية وهو 844448، ومنه تحدثت مع أبو يوسف المزيدي الذي رحب بي أحسن ترحيب، وأخذ علما بالشكوى ودون جميع ارقام الهاتف الخاصة بيِ وقال ان أحد مراقبي البلدية سيقوم بالاتصال بيِ وهذا ما حدث بالفعل، حيث كررت على مسامعه ما قلته لعشرة من قبله.
بعد مرور اسبوعين، دون حدوث اي تطور، والبائع لا يزال في مكانهِ بل وأصبح الآن، مع بدء شهر رمضان، ينام تحت الشجرة قرير العين بعد ان امن العقوبة، اعدت الاتصال للمرة الخامسة او السادسة لتسجيل نفس الشكوى وللسؤال عن 'ابو يوسف المزيدي' او ابو يوسف الآخر، ولكن دون جدوى، فنوبات عملهم كانت تتضارب دائما مع ساعات اتصاليِ ولكن حتى وعود هذا الاخير لم تجد نفعا، ولا يزال بائع البطيخ، وبعد مرور ستة أشهر من تهديدي له ب'البلدية' ينام قرير العين تحت الشجرةِ لم يهدأ لي بال، وقررت الذهاب بنفسي الى مكتب مراقبة الشؤون الصحية التابع لبلدية الكويت في السالميةِ وهناك كانت مفاجأة غريبة بانتظاريِ فقد اكتشفت ان بائع البطيخ هذا، والذي لا يحمل جنسية محددة، صاحب ملف متضخم في البلدية، وسبق ان قبض عليه مرات عدة واودع في خفارة المخفر بعد ان هدد ببقر بطن احد مفتشي البلدية بسكينته الصدئة، وتم التحقيق معه واعطي اكثر من انذار، وقام بتوقيع اكثر من تعهدِ ولكنه كان دائما ينجح في الخروج من المخفر معززا مكرما ويعود لبيع البطيخ! كل ذلك بفضل 'توسط' شخصيات رفيعة، ومنها من يعمل في مجال المحافظة على الامن، وآخر من ادارة مكافحة المخدرات، لكي يتم اطلاق سراحه على الفور!
وهنا فقط تذكرت ابتسامة ذلك البائع الخبيثة عندما هددت بشكواه للبلدية!
***
لو كان ذلك البائع يبيع كافيارا او الماسا لخلته قد 'برطل'، او هو شريك على الاقل لكل اولئك الذين توسطوا لاطلاق سراحهِ ولكنه مجرد بائع بطيخ من غير هوية في دولة قوانين ومؤسسات ومجلس امة ووزراء ومحاكم وامن وسلامة ورقابة!
فإذا كانت مختلف اجهزة الدولة وقوانينها ونظمها عاجزة عن ردع بائع بطيخ بائس، فكيف يمكن ان نصدق أن الحكومة جادة في الاصلاح!
نضع هذه القصة، او الملحمة المؤسفة، بتصرف وزير الداخلية لعله يفعل شيئا حيالها، بعد ان اقر مختلف مراقبي البلدية بعجزهم عن فعل شيء حيال هذا الوضع الشديد السخافة.

الارشيف

Back to Top