هولندا وإدارة الإطفاء (1 ـ 2)

على الرغم من قولنا ان الإنسان يخلق في أكمل صورة، فإنه بحاجة ماسة، في هذا العصر الذي نعيش فيه، الى مجموعات من التطعيمات واللقاحات التي تقيه من أمراض وأوبئة محددة تصيب عادة المواليد الجدد، وبغير هذه الأمصال واللقاحات، فإن حظه في الحياة، أو العيش من غير مرض، يصبح ضئيلا.
وعلى الرغم من حقيقة ان الوالدين هما اللذان يفترض فيهما الاهتمام بحصول أطفالهما على التطعيمات الدورية في أوقاتها، فإن الأنظمة الحكومية، حتى في أكثر الدول تقدما، لا تترك هذا الأمر لذاكرة الوالدين وخبرتهما وخيارهما، بل تتدخل وتفرض الأمر عليهما قسرا، وبحكم القانون، لتعلق الأمر بسلامة المجتمع، وأتذكر بهذه المناسبة قصة جديرة بالسرد: قامت عائلة عربية تعيش في الكويت بالهجرة الى هولندا، وكان ذلك في بداية السبعيناتِ بعد قضاء 3 سنوات هناك، وإنجاب ولدين، قرر الزوجان العودة للسكن في عمان، الأردنِ بعد شهرين من عودتهما، استلمت العائلة رسالة مسجلة من السلطات الصحية الهولندية تطلب منها المبادرة فورا واجراء التطعيمات الدورية اللازمة لولديهما، وتأكيد ذلك كتابيا لهما!
تجاهل الأب الرسالة ولم يعبأ بمضمونها، بعد شهرين آخرين وصلته رسالة ثانية أكثر شدة في لهجتها تطلب منه مراجعة السفارة الهولندية وابراز ما يفيد قيامه بإجراء التطعيمات الدورية لابنيه، وإلاِِ! وهنا أيضا لم يعبأ الأب بالأمر.
بعد شهر من الرسالة الثانية قام دبلوماسي من السفارة الهولندية بزيارة الأب في مكان عمله، وطلب منه مراجعة السفارة خلال أسبوع لإثبات قيامه بإجراء التطعيمات لولديه، استغرب الأب كل ذلك الاهتمام من 'الصلطات' الهولندية، ورفض زيارة السفارة، واعتبر الأمر تدخلا في شؤونه الخاصة، فهو حر في التصرف مع ابنيه بالطريقة التي توافق مزاجه!
رد عليه الدبلوماسي، بالهدوء الأوروبي المعهود، قائلا: نعم يا سيدي، أنتم 'أحرار' في التصرف في بلادكم، ولكنك لست حرا في هذا الأمر بالذات في هولندا! ان ابنيك اللذين ولدا عندنا من حقهما الحصول على الجنسية الهولندية حال بلوغهما سن 18، ونحن ننشد أمة صحية، ولا نرغب في زيادة عدد المعاقين لدينا! وعليه، فإنني مضطر لان اخبرك بان حق ولديك في الحصول على الجنسية الهولندية قد تم الغاؤه.
خلاصة القول، ان هناك أمورا لا يحق للفرد التصرف فيها على هواه مهما كانت ليبرالية الدولة، خاصة في الأمور التي تتعلق برفاه المجتمع وسلامته.
ِِ وإلى الجزء الثاني والأهم، في المقال المقبل.

الارشيف

Back to Top