أماديوس والموسيقى

يحتفل العالم المتمدن والمتقدم والمتطور والانساني اجمع هذه السنة بمرور 250 عاما على مولد الموسيقار العالمي العبقري 'اماديوس ولفغانغ موزارت'! لا اعلم شيئا عن موقعنا الحقيقي في هذه الاحتفالية العالمية، ولكني اعلم علم اليقين بأن غالبيتنا العظمى والساحقة للعظم سوف لن تشعر او تحاول ان تعرف او تكترث الآن، أو بما تبقى من أيام في هذا العام، بما قدمه هذا الفنان للعالم من فن رفيع أثر، شئنا أم أبينا، وسيؤثر في حياتنا الى الابد!
****
لا اعتقد ان هناك من لم يكن 'أو يشاهد طفلا في أشهره الأولى' نائما على ظهره في سريره وهو يحاول عبثا مد يده للوصول الى لعبة بدائية معلقة على رأسه تصدر نغمات موسيقية بسيطةِ
وكانت تلك اللعب الموسيقية اول ما تلقاه اعين الاطفال او تسمعه آذانهم عند استيقاظهم من النومِ
ولو نظرنا لأي طفل، وفي أي عمر كان، لوجدناه يتمايل برأسه يمنة ويسرة على سماع نغمة موسيقية جميلةِ كما تتحرك مشاعر الجميع، بخلاف اجسادهم، لسماع نغمة او قطعة موسيقية تذكره بأمر أو مكان أو شيء ما، وهذا ينطبق على جميع البشر ولأي جنس أو طائفة أو لون أو عرق انتمواِ
كما اثبت العلم الحديث بما لا يقبل الشك، وأرجو ان لا يسألني احد عن الكيفية التي تم بها اثبات ذلك، ان الجنين يطرب لسماع نوعية معينة من الانغام الموسيقية كما ثبت كذلك ان الحيوانات تطرب لسماع نوعية معينة من الموسيقى، وتصبح اكثر سكونا عند عزفهاِ ومعروف أيضا ان للموسيقى تأثيرا واضحا على النباتِ
ولا تكاد توجد أمة على ظهر الارض لا تمتاز بموسيقاها الشعبية او الحانها الخاصة التي لا تطرب الا لهاِ
ومن الأمور الغريبة حقا اتفاق جميع دول العالم (!!) على ان يكون لكل دولة سلام وطني خاص بها يتكون من مقطوعة موسيقية ذات لحن مميز يعزف اثناء المراسم وفي المناسبات والاعياد الرسمية وأثناء الاحتفالات الرياضية، ولا يعرف قيمة ذلك اللحن احد اكثر من الرياضي الذي يفوز بميدالية رياضية، ويقف على المنصة ليسمع عزف سلام بلاده الوطني! لا يجادل الا مكابر، أو جاهل، في أهمية الدور الذي تلعبه الموسيقى في حياة كل مناِ ولا يمكن تخيل معيشتنا من غيرها، وان فقدت من حياتنا، لسبب أو لآخر، نجد انفسنا، ومن دون شعور، نصدر انغاما موسيقية محددة او غير ذلك، كما ان الكثيرين يستعينون بالصفير او الدندنة الموسيقية مثلا من خوف ان يجدوا انفسهم في مكان موحش، ولكي يعلموا الاخرين بأنهم طبيعيون ويشعرون بالأمان!
****
لو نظرنا الى طرق ومقررات التربية والتعليم في مدارس الكويت، حكومية وغير ذلك، والتي توصف ظلما بالحديثة، لوجدنا ان مكانة الموسيقى في تراجع مستمر منذ السبعينات من القرن الماضي وحتى الان لمصلحة مواد اخرى لا تسمن ولا تغني، ولا نود هنا الافاضةِ
ولكن يجب ان نعترف بأننا حقا جهلة عندما نعتقد، او يعتقد واضعو مناهج التربية في الكويت، او مجلس التخطيط بقضه وقضيضه، ان ليس للموسيقى اهمية تذكر، وان في امكان الطالب والطالبة تلقي معرفتهما الموسيقية خارج اسوار المدرسةِ
وكان من الممكن قبول مثل هذا التجاهل الاحمق لو لم يتطور الأمر في السنوات القليلة الاخيرة ليصل الى درجة منع الموسيقى في مختلف المدارس والمعاهدِ ثم تطور اكثر لتصدر مختلف الاراء الدينية من هنا وهناك تحرم سماعها، ما عدا تلك التي لا تهيج او تثير الغرائز! ومسؤولية الفرز تقع عليك!
****
* ملاحظة:
أجمل ما قرأت في الاسبوع الماضي كلمة رئيس جمعية الهلال الاحمر الكويتي السيد برجس البرجس والتي ألقيت في احتفالية الجمعية بمناسبة اليوم العالمي للتطوع، وذكر فيها ان التطوع متوافق واخلاقيات ابناء هذا البلد منذ أكثر من مائة عام، وان الجمعية لا تفرق في عملها ومساعداتها الخارجية بين بوذي ومسلم ومسيحي، بل تتعامل مع مصاب الانسان، بصرف النظر عن دينه! ما احوجنا لمثل هذه الاخلاقيات السامية!

الارشيف

Back to Top