تتلمذ على يد خالد البكر ووضع لحن 'والله عجبني جمالك'. كون أول أوكسترا عربية في إسرائيل

حمل عزرا ماله وأهله وأحلامه وهاجر، مع خمسين عائلة أخرى، من البصرة الى الكويت مع نهاية القرن التاسع عشر ليكون والآخرون نواة لأول مجتمع 'يهودي' في الكويت.
عندما عاد أحد اخوة عزرا من رحلة تجارية الى الهند احضر معه آلة 'عود' وآلة 'كمان' هدية لابني عزرا، داود الذي كان وقتها في الثامنة من عمره وصالح الذي لم يكن يتجاوز العاشرة بكثيرِ وكانت الهديتان نقطة تحول في حياة الطفلين من جهة، وفي تاريخ التراث الموسيقي للكويت والعراق لأكثر من نصف قرن بعدها، من جهة أخرى.
تتلمذ صالح عزرا على عزف العود على يد الفنان الكويتي الكبير خالد البكرِ ونجح بعدها في وضع لحن أول أغانيه الشهيرة له وهي 'والله عجبني جمالك'، التي لا تزال، وبعد أكثر من 70 عاما على تلحينها، تسمع من الاذاعات العراقية واذاعات الكويت، بعد ان قام أكثر من مطرب معروف بأدائها بصوته، سواء في الكويت أو العراق.
وكانت تلك بداية امتهان الشابين للعزف والغناء على الرغم من يفاعة سنهما، وعندما تطور فنهما وكثرت اغانيهما ضاقت بهما الكويت، وكان من الطبيعي تطلعهما إلى العودة الى العيش في العراق، خاصة مع تقدم وتطور طرق التسجيل الموسيقي فيها، وقيام شركات الاسطوانات بتسجيل الأغاني على اسطوانات صلبة، التي لاقت رواجا كبيرا في العراقِ وهكذا عادت عائلة عزرا للعيش في البصرة، ولكن بعد ان اصبحت تعرف بعائلة 'الكويتي'!
في البصرة تعلم صالح أسرار كتابة ألحان 'المقام' العراقي العريق على يد الفنان 'عزور'، وهو نوع من الغناء الرفيع والمتقن ضمن أنواع الفنون الموسيقية العربية الأخرى، ومع تقدم الأخوين فنيا واتساع نشاطهما، ضاقت بهما البصرة أيضا فقررا الرحيل إلى بغداد العاصمة، وكانت حينها من اكثر العواصم العربية اهتماما بالموسيقى وفنونهاِ ومع الوقت تطور أداء الأخوين حيث تخصص داود في العزف على العود وصالح في وضع الألحان والعزف على الكمان، وأصبح يجيد التلحين بعد ان صقل موهبته بدراسات جادة للموسيقى العربية والغربية، وسرعان ما بدأت العروض تنهال عليه من فنانين معروفين تطلب منه وضع ألحان أغان لهمِ وكانت اشهر ألحان أغاني المطربة سليمة مراد من وضع الفنان صالح الكويتي.
كما قامت السيدة ام كلثوم في العام 1933 بالاتصال بهما في احدى زياراتها إلى بغداد، وطلبت من صالح وضع لحن أغنية لها، وهي التي كانت ترفض غناء أي ألحان لملحنين غير مصريينِ وهكذا خرجت الى الوجود أغنية 'قلبك صخر جلمود ما حن علي'! كما التقى الفنان الكبير محمد عبدالوهاب بالأخوين صالح وداود قبلها بعام وأبدى اعجابه بهما وبفنهما وتطور الأمر بالأخوين وأصبحا من فناني بلاط ملك العراق فيصلِ كما تمكن صالح من وضع مئات الألحان، وادخل في البعض منها عناصر غربية ك'الواتس' ووضع موسيقى عدد من الأفلام وأشهرها 'قيس وليلى'.
وفي العام 1936 طلبت منهما وزارة التربية العراقية المشاركة في تأسيس أول محطة اذاعيةِ وكان الأخوان كذلك من مؤسسي أوركسترا الاذاعة التي استمرا في ادارتها الى منتصف القرن الماضي.
مع بداية الخمسينات قرر الاخوان الانضمام الى موجات الهجرة، مع بقية يهود العراق، الى فلسطين مع نهاية الحرب العربية ـ الاسرائيلية وإعلان قيام الدولة، وتركا وراءهما كل ممتلكاتهما المنقولة وغيرها.
وورد على لسان احد ابنائهما ان حياتهما في الدولة الجديدة لم تكن سهلة، فقد استقبلا برش مادة الدي دي تي المطهرة عليهما شأنهما شأن بقية المهاجرين، كما فرض عليهما كذلك المكوث في خيام مؤقتة في احدى المستعمراتِ
وذكر كذلك ان المجتمع الاسرائيلي كان ينظر الى اليهود العرب وثقافتهم بدونيةِ وفرض عليهما ان يصبحا جزءا من الغيتو المتواضع المخصص للمنتمين الى الثقافة العربية.
ولكن كل ذلك لم يمنع الاخوان من السعي الى تبوء مكانتهما المميزة في المجتمع الجديد، خاصة بعد انضمامهما إلى القسم العربي من صوت 'راديو اسرائيل' وقيامهما بتكوين أول اوركسترا للموسيقى العربية فيها، حيث اصبحا من نجوم الاذاعة ومن مقدمي برامجها الموسيقية المميزة التي كان الكثير منها يبث على الهواء، وعلى الرغم من ان محطات الاذاعة في الكويت والعراق كانت، ولا تزال، تبث الكثير من اغانيهما، مثل 'خدري الشاي خدريه'، واغنية 'ما تقول لي يا حلو منين الله جابك'، وأغنية 'والله عجبني جمالك' و'خايف عليها' و'على درب الهوى' و'محيانه' و'عندك عيون كتاله' و'أسمر بعينه قتلني' و'الهجر موضة غريبة' و'أرد انشد أهل الهوى' وغيرها الكثير، الا ان هذه الاذاعات كانت، ولا تزال، تتعمد، عدم التطرق الى أسماء ملحني هذه الأغاني الخالدة بأي شكل من الأشكال على الرغم من كثرة المعجبين بها، خاصة بين أبناء الجيل القديم.
توفي داود وبعده صالح في الثمانينات من القرن الماضي ولكنهما تركا وراءهما تراثا موسيقيا عظيما واسم 'الكويتي' الذي سوف لن ينسى ابدا.
++++++++++
الصورة : مع الفرقة الموسيقية
الصورة : صالح الكويتي

الارشيف

Back to Top