التحدي الكبير

قامت جمعية الاصلاح، الفرع المحلي للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين، بطباعة وتوزيع 'فلاير' عن معرض الكتاب الاسلامي، ونشر الاعلان تحت شعار 'كلنا نقرأ... تحت سن القلم... يصنع مستقبل الامم'!
لم يعرف بشكل عام عن 'الاصلاح' حبها ودعوتها للقراءة، فهذه ليست من عاداتها ولا من تقاليدها. فقد كان الاخوان، تاريخيا ونفسيا، ضد القراءة، على الاقل في غالبية ميادينها. ومن المعروف ان غالبية مواضيع الكتب التي تدعو الجمعية لقراءتها تتعلق بالحديث والفقه والتفسير الخاصين بفكر ديني محدد. ففقه وتفاسير اصحاب المذاهب المخالفة الاخرى لا يقبل وجودها ضمن مكتبتها العامرة. دع عنك الدعوة لقراءتها. وما محاولات منع ترويج كتب الشيخين السلفيين بن باز والعثيمين من قبل مناصري الجمعية في وزارة الاوقاف الا مثال على موقفها من كتب الآخرين. فإذا كان هذا موقف الاخوان من كتب تخص 'السلف' فكيف يمكن ان نتصور موافقتهم على قراءة كتب الفلسفة والاستشراق وتطور الكون والنشوء والترقي واصل الكائنات وعلوم الفلك والجيولوجيا والحفريات وغير ذلك المئات من فروع المعرفة الاخرى! منطق، او منطلق الجمعية وموقفها من الغالبية العظمى من الكتب نابع من خوفها من امكان انحراف الشباب او الامة اجمع نتيجة قراءة مواد لا اخلاقية او لا دينية او دينية ولكن غير صحيحة لأنها على غير مذهبها. وبالتالي فإن الاصلاح يعتقدون بأن اتباع نصحها فيما يتعلق بنوعية ما نقرأ سينتج عنه خلق جيل مسلم ومستقيم حسب مسطرة الجمعية! ولكنه سيكون جاهلا في الوقت نفسه بجميع فروع المعرفة الاخرى التي لا تتفق ومعايير الإخوان ومبادئهم.
ومن جانب آخر، ان سمحنا للأمة بقراءة ما تشاء، كما هو حاصل في غالبية دول العالم، فقد ينتج عن ذلك، حسب رأي الاصلاح والسلف وغيرهم، امة مثقفة مطلعة وعالمة الى حد كبير بمجريات ما يدور من حولها، ولكنها معرضة لخطر انحرافها عن سواء السبيل، سبيل الاخوان، او اي مذهب اسلامي آخر! وعليه ما هو الطريق الاكثر جدارة بالاتباع بالنسبة لأمة متخلفة، كأمتنا؟
هل يكمن في كسب شفاعة وقبول جماعة الاخوان المسلمين، او القيمين على اي مذهب ديني آخر، وقراءة ما يوصون ويرضون لنا بقراءته، ولو ادى ذلك لبقائنا جهلة بمجريات الامور من حولنا؟ ام قراءة كل شيء على الرغم مما قد يؤدي اليه ذلك من انحراف بعضنا عن جادة الصواب الديني، وايضا طبقا لمقاييس ومساطر جماعة الاخوان، او السلف او غيرهم؟
الجواب سهل: فالعاطفة، والخوف من المجهول، يقولان ان التمسك بأهداب ما يمثله فكر الاخوان، او اي مذهب آخر، هو الخلاص، وهو الحق والصراط المستقيم بصرف النظر عن اي نتائج لا تحمد عقباها.
ولكن العقل والمنطق يقولان ان اقتصار معارفنا على المواضيع الدينية فقط وما يوافق عليه دهاقنة هذا المذهب او ذلك المعتقد سوف يؤدي لأن نصبح ضعفاء في عصر المعلومات هذا. فما لم نلم بكل ما يجري حولنا، وهذا لا يتأتى الا بالقراءة الحرة والمنفتحة وغير المقيدة، فإننا سنكون كالهوام على مائدة اللئام!
القراءة المنفتحة وغير المقيدة تمثل التحدي الحقيقي الذي يجب ان يقبله كل مؤمن خالص الايمان كبير العقل، فهل نحن على استعداد لقبول هذا التحدي؟ أشك في ذلك!

الارشيف

Back to Top