سنة طفحة اللحى*

لن نشمت في حكومتنا، ولن نكتب فرحين بأن ما توقعنا حدوثه من قبل قد حصل، على الرغم من أننا كتبنا عنه عشرات المرات، فوصمة الأحداث العمالية الأخيرة التي وقعت في عدة مناطق لا يمكن أن تمحى من سجل حقوق الإنسان لدينا بسهولة، والعار يشملنا جميعا.
ستنتهي أحداث الشغب هذه بطريقة أو بأخرى، وسيتم ترحيل المئات، وربما الآلاف، من العمال المضربين، فجحافل وزارة الداخلية وقواتنا الخاصة المدججة بالقنابل والرشاشات الأوتوماتيكية جاهزة للتدخل في اي لحظة لإعادة الأمور، ولو ظاهريا الى سابق عهدها، ولكن هل هذه نهاية المطاف؟
أين ذهبت الحقوق المالية والإنسانية لهؤلاء البؤساء، أو حتى المخربين منهم، الذين رحلوا الى أوطانهم بالقوة الجبرية دون السماح لهم بتسوية أوضاعهم، أو حتى إجراء تحقيق متواضع معهم؟
ماذا عن المتهمين الحقيقيين الذين جلبوا هؤلاء العمال وتركوهم دون مال ولا مأوى؟
ما الضمان من أن أحداث الشغب هذه، أو تظاهرات المطالبة بالحقوق، لن تتكرر مستقبلا؟
كيف يمكن أن تمر أحداث بهذا المستوى من المأساوية ولا تتحرك جهة لإنصاف هؤلاء البؤساء ووضع حد لهذا الإجرام في حقهم؟
كيف يمكن أن نصدق أن الحق بأكمله يقع على عاتق هؤلاء المضربين والمتظاهرين، وأن ليس هناك حتى مواطن واحد، ولو كان فراشا كويتيا سابقا، يمكن أن يكون متورطا في القضية؟
وهل يكفي إغلاق ملف شركة أو اثنتين لردع غيرهما عن سلب حقوق غيرهم مستقبلا؟
وكيف تصبح قضايا الجنوس وضوابط زيارة الجزر الكويتية وقضايا الفصل في المدارس، كيف تصبح عند الكثيرين من تافهي التفكير والتصرف أخطر على الوطن من مصير عشرات آلاف العمال المتهمين والأبرياء الذين يعيشون بيننا ويشكلون قنبلة بشرية لا نعرف متى تنفجر في المرة القادمة؟
كيف يهون علينا جميعا أن نرى معاناة هؤلاء البؤساء، وحتى السراق منهم، دون أن يرف لنا جفن؟
كيف يمكن تصور حدوث كل هذا في وطن تبلغ نسبة الملتحين والمتطرفين والمغالين في تدينهم النصف تقريبا، فنحن نعيش في سنة طفحة اللحى، ولا نحاول هنا بالطبع الاعتراض أو السخرية من اللحية فتربيتها حق لا نقاش فيه، ولكن كيف يمكن أن نصدق أن يكون بيننا كل هذا العدد من الملتحين، واللحية غالبا دليل تدين، والتدين يتطلب على الأقل أن تكون قلوبنا رحيمة ومحبة للخير، ولا تتحرك لجان لظس ومضس وغيرها من الجهات المهتمة بتعديل وتهذيب سلوكياتنا، لإنصاف هؤلاء العمال أو الدعوة الى تحسين أوضاعهم، أو العمل على حفظ حقوقهم والسعي للقصاص ممن أساء السلوك معهم وأجرم في حقهم؟
آه، كم أنت جميل يا لبنان وأنا بعيد عن كل ما يحدث في وطني من صخب وسفاهة وهضم حقوق وتلاعب بأرزاق الناس وتعسف في القرار، ولكن اللعنة على هذا الإنترنت الذي جعلني أكثر التصاقا بأحداث الوطن وتعلقا به، حتى وأنا بعيد عنه!!
* العنوان مقتبس من مقال «سنة التفخة» للزميلة العزيزة دلع المفتي.

الارشيف

Back to Top