رأس التخلف والمسترجلات

أكد المستشار فيصل المرشد، رئيس محكمة الاستئناف، عضو المجلس الأعلى للقضاء ورئيس اللجنة المكلفة بإنشاء محكمة الأسرة، بأن وجود محكمة الأسرة سيقلل من قضايا الطلاق بنسبة 50%، لأن هذه المحكمة ستلزم الراغبين في الطلاق باللجوء الى لجنة مختصة بإصلاح ذات البين، قبل البت في الأمر من قبل دوائر الأحوال الشخصية أو الجعفرية.
لا شك أنها خطوة حكيمة وقرار سليم، وستكون للقرار نتائج إيجابية فور العمل به، وهو قرار يجعل إجراءات الطلاق في المحاكم السنية والشيعية أكثر انسجاما وقربا حيث ان الطلاق عند الشيعة يتطلب في جميع الأحوال تدخل القاضي قبل إقراره، بصرف النظر عما صدر من الزوج من ألفاظ أو وعود.
وبالرغم من حماسنا الشديد لهذا القرار إلا اننا لا نشارك المستشار المرشد تفاؤله بأن هذه المحكمة واللجنة التابعة لها ستقللان من حالات الطلاق في المجتمع بنسبة 50%، فهذا أمر صعب للغاية ويتطلب جهودا تثقيفية وتربوية جبارة تبدأ من المدرسة وتستمر في البيت وفي الأنشطة الاجتماعية، وبالتالي يتطلب ويستغرق الوصول إليه، إن صفيت النوايا، سنوات من الجهد والتربية الاجتماعية والأسرية. فبالرغم من تشدقنا بقوة قيمنا و«أصالة» عاداتنا، ولو أنني لا أعرف معنى الأصالة في العادة أو السلوك، فما هو عدد السنين المطلوبة لعادة ما لتصبح أصيلة مثلا؟، أقول بالرغم من كل ادعاءاتنا بصلاح مجتمعاتنا مقارنة بمجتمعات الدول الأخرى، وبالرغم من الوفرة المادية التي تعيشها غالبية الأسر الكويتية، التي عادة ما يكون شح المادة سببا رئيسيا في وقوع الطلاق في الكثير منها، إلا أن نسب الطلاق في الكويت بلغت مستويات خطيرة قاربت الخمسين في المائة، وهذه كارثة أخلاقية واجتماعية في وسط غارق حتى أذنيه في الورع والتدين وهو الذي مكن أكبر عدد من النواب المتشددين من الوصول للبرلمان، ولكن هذا المواطن نفسه فشل على المستوى الشخصي في أن يكون بمستوى ما يدعيه من صلاح واستقامة ومودة ورحمة عندما يتعلق الأمر بتكوين أسرة واستمرارها كونها عماد ونواة أي مجتمع!!
يحدث ذلك مع وجود عدد كبير من الجهات الاجتماعية المهتمة بالأسرة، التي يكلف البعض منها الدولة ملايين الدنانير، إضافة إلى كل هذا الكم من الأكاديميين والباحثين والمعالجين النفسيين، ولكن يبدو أن لا أحد تقريبا يهمه أن خمسا من كل عشر زيجات من بين شباب المستقبل تنتهي بالفشل والطلاق والخصام الحاد، وما يعنيه ذلك من دمار أسر كثيرة وتشريد أبنائها واختصام آبائهم في المحاكم على حضانة أبنائهم، وزيادة عدد المطلقين والمطلقات في المجتمع، ثم بعد كل هذا الدمار الاجتماعي تأتي لجنة تدعي الاهتمام بالظواهر السلبية لتركيز جهودها وتضييع وقتها ومال الدولة وهيبتها في البحث عن عشرة مخنثين وما يماثلهم من المسترجلات لتقديم علاج لهم أو نفيهم من الأرض، وكأن مشاكل الكويت ومآسيها المتمثلة بانتشار الجريمة وقضية 95 ألف بدون بلا عمل أو تعليم أو مستقبل وما يماثل هذا الرقم من العمالة العاطلة والبائسة والمحرومة من أبسط حقوقها وقوت يومها، كأنها أحداث تخص وزيرستان وسهول كينيا وليس الكويت التي لا تزيد مساحة المأهول من مناطقها عن الألفي كيلومتر مربع!!
نعم نحن شعب متخلف والأدلة تكفي لملء زبيل، أو قفة من خوص، أو أكثر!!
ملاحظة بسيطة، إن أحسن طريقة لقتل التفكير هي في التكفير.

الارشيف

Back to Top