لو كنت صهيونياً إسرائيلياً
لو كنت كذلك لما ترددت يوماً في التخطيط الدقيق والسعي الحثيت للتوسع جغرافيا على حساب جيراني العرب، ليس فقط لأنهم في أضعف حالاتهم، بل لأن بقائي، وبقاء دولتي، وشعبي، في مأمن من أي عدوان مستقبلي، أو خطر أمني، لا يمكن أن يتحقق بغير التوسّع!
* * *
لست بالاستراتيجي، لكني رأيت ما سبق أن رآه قبلي غلاة الصهاينة، واكتشفت من مصادري وقراءاتي في هذا الموضوع، وآخرها ما كتب عن «التشابك العسكري» بين «حزب الله» وإيران من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، وحرب الـ12 يوماً بين أمريكا وإسرائيل ضد إيران، وحقيقة أن مساحة إسرائيل الرسمية، وفق خطوط الهدنة لعام 1949، لا تزيد كثيرا على 22 ألف كم مربع، ولن تصبح أكبر أو أكثر أماناً حتى مع إضافة القدس الشرقية والجولان لها، وقد تصل إلى 30 ألفاً، حيث تبقى دولة صغيرة نسبياً جغرافياً، وذات عمق هش، وضيق جداً في أجزاء كبيرة منها، مقارنة بالدول الإقليمية الكبرى، التي تحيط بها، وهي أهم نقاط ضعفها الاستراتيجية، وهذا جعل الدولة برمتها سهلة الاستهداف بالصواريخ، وحدّت كثيراً من قدراتها في المناورة العسكرية، خاصة مع وجود عدد من المدن الكبيرة والمستعمرات القريبة من الحدود وخطوط النار، يسهل ضربها بالصواريخ من اي مكان. وهدوء جبهات القتال حالياً، بينها وبين جيرانها، وغالباً بسبب ظروف دولية، لا يضمن بقاؤها كذلك إلى الأبد، والخوف من حرب متعددة الجبهات هاجس سيبقى ماثلاً أمامها، ولا حل له بغير التوسّع الجغرافي من جهة، وتهجير أو التخلص من الفلسطينيين من جهة أخرى، وبأية طريقة كانت. فلا ضمان بأن «حزب الله» لن تعود له صواريخه، ولا ضمان بأن الجبهة السورية ستبقى «هادئة»، ولا ضمان بأن الحكم في إيران لن يكثف مساعداته للفلسطينيين واليمنيين، واللبنانيين، واحتمال المواجهة مع «حزب الله» في الجنوب اللبناني، ولو بعد حين، تمثل تهديداً متواصلاً لها، كما أن الانكشاف الجغرافي للبلدات الشمالية يجعلها عرضة لصواريخ دقيقة وهجمات تسلل أو قصف واسع، خاصة مع محدودية العمق الاستراتيجي وكثافة التجمعات الإسرائيلية قرب الحدود.
أمام كل هذه المعطيات والمخاطر، فإن إسرائيل مجبرة على الاستيلاء، بالقوة الغاشمة غالباً، على المزيد من الأراضي العربية، وجعلها جزءاً من أرض الميعاد، وتحقيقاً لأوهام توراتية، تستغل من الطبقة الحاكمة، لإيهام الغالبية بحقهم في الأرض التي وعدهم الله بها يوماً.
إضافة لذلك، فإن سلاح إسرائيل النووي، الذي يراه البعض منهم ضمان بقائها للأبد، يشكل بوضع إسرائيل الحالي وحجمها الصغير، خطراً نووياً عليها، لا يقل كثيراً عن خطره على جيرانها، إن تم استخدامه، والمخرج من هذه الورطة لا يكون إلا بالتوسّع الجغرافي على حساب الغير. هذا بخلاف حاجة إسرائيل للمياه والموارد.
وبالتالي، على عباقرة التحليل السياسي والتنظير الأمني، مراجعة أفكارهم جيداً، والتخلي عن «عمالتهم» وأوهامهم، وإنكار القول بأن إسرائيل لا تسعى إلى التوسع، بل وتهدف للسلام، فالصهاينة لا يريدون الخير لا لنا ولا حتى لهم، بحكم هوسهم الغريب بالخزعبلات التوراتية، وفق تفسيراتهم لها.
أحمد الصراف