الطائفية ومجبوس اللحم*

تقول صديقتنا «رول له»، إنها لاحظت في احدى زياراتها لساحة في مومبي بالهند، ان مجموعة من الفيلة الضخمة التي كانت تقف صفا واحدا من دون حراك، كانت مربوطة بسلسلة قصيرة متصلة بقضيب حديد قصير مثبت بالارض. بدا واضحا ان قوة السلسلة والقضيب لا تتناسب وحجم الفيل وقوته، ولكن على الرغم من ذلك لم يحاول اي منها الزحزحة عن مكانه، او الهرب. وتقول «رول له» إنها عندما سألت احد الحراس عن سر تلك السلسلة الصغيرة ابتسم وقال إن هذه الفيلة، عندما كانت صغيرة، كانت احدى قوائمها تربط بالسلسلة نفسها، وكانت وقتها كافية لمنعها من التحرك. كبرت الفيلة وزاد وزنها اضعافا مضاعفة، ولكن استمر ربطها بالسلسلة والقضيب المثبت بالارض نفسيهما، وكبر معها الشعور نفسه بعدم القدرة على التحرك والفكاك من السلسلة، فقد حاولت وهي صغيرة ولم يجد الامر كثيرا، واختارت البقاء اسيرة افكارها!
ولو نظرنا لأنفسنا لرأينا اننا جميعا تقريبا لا يسهل علينا الفكاك من اسر افكارنا القديمة ومعتقداتنا وطريقة لبسنا وطعامنا وكل ما تربينا عليه ونحن صغار. وهذا ما يتبعه المشرفون على مئات آلاف مدارس تحفيظ القرآن المنتشرة كالفطر في عشرات دول العالم، والتي تحاول كسب افئدة وود كل اولئك الاطفال لهم ولطريقة تفكيرهم وبرمجتهم حسب رغباتهم، والتي قد لا تكون متفقة مع المصلحة العامة.
ولو حاول مليون شخص مثلا اقناعي بأن طعم «مجبوس اللحم» غير لذيذ لما نجحوا في ذلك حتما، فطعم ذلك المجبوس يسكن تحت لساني منذ الصغر، ولا فكاك منه. ولكن لو طلب مني طبيب واحد التوقف عن تناول المجبوس لاسباب صحية لما ترددت في قبول طلبه.
وعليه فإننا مطالبون بألا نكون فيلة ضخمة وكبيرة وغير قادرة على التخلص من البالي والقديم من موروثاتنا، بل علينا فتح نوافذ عقولنا والترحيب بكل جديد صالح وجميل، وان نعرف أن الديانات العظيمة، والافكار الخلاقة ما كانت لتنتشر لو اصر اوائل من اتبعوها على التمسك بقديم افكارهم والبالي من تصرفاتهم. وانظر لما طرأ على حياتنا في نصف القرن الماضي على الاقل وستجد ان من الصعوبة بمكان حصر تلك التغيرات، ولو انها اتت في وقت واحد لكان مصيرها الرفض حتما، لكن التدرج هو الذي جعلها مقبولة، ولكن.. هل لا يزال لدينا الوقت للتدرج؟

الارشيف

Back to Top