المسيحي الشرقي

لو نظرنا الى الدور الحضاري والتنموي للأقليات المسيحية في الدول العربية، من دون استثناء، لنالنا العجب من عظم الدور مقارنة بقلة العدد، نسبيا!!
وعلى الرغم من ذلك، أو ربما بسبب ذلك، تجري منذ سنوات، وبصورة محمومة، حركة تهجير طوعية وقسرية متعمدة لمسيحيي منطقة الشرق الوسط، وبالذات في العراق ومصر ولبنان والأراضي المحتلة والسودان وحتى في إيران. ويمكن استثناء منطقة الخليج وشمال أفريقيا من حركة التهجير هذه لقلة عدد المسيحيين بين أبناء الأولى، وتسامح شعوب الثانية التاريخي مع الأقليات غير المسلمة.. حتى اليوم. ويمكن، وبكل سهولة، إقحام سوريا ضمن الدول المتسامحة تاريخيا مع غير المسلمين من شعبها.
تتضمن حركات التهجير هذه عمليات قتل متعمدة لزعماء الطوائف، وحرق دور عبادتهم وسلب محلاتهم، ودفعهم الى أضيق الطرق وتعكير صفو حياتهم، إضافة الى عشرات المضايقات الأخرى التي لا يمكن تعدادها والتي أصبحت روتينا يوميا في الكثير من المناطق، الأمر الذي دفع الكثيرين الى الهرب من أوطانهم، إن بصورة مؤقتة، أو دائمة غالبا، مولين وجوههم شطر الغرب ورحابة صدره وكبر قلوب أبنائه، وهذا بالضبط ما سعى المعتدون اليه وابتغوا تحقيقه، غير مدركين أن هذا «التطهير العرقي» لن يقف عند حد التخلص من أتباع ديانة محددة أو جماعة أو طائفة معينة، بل سيأتي الدور على أتباع الطوائف والأقليات الأخرى تباعا، ومن ثم محاولة احد الفريقين الكبيرين القضاء على الفريق الكبير الآخر. ولو تركنا العراق جانبا يلعق جروحه بألم لوجدنا أن أوضاع المسيحيين في أجزاء من لبنان وغزة ومصر ليست بأحسن، فأعدادهم في تناقص مستمر، وعلى الرغم من ذلك يدعي أحد التافهين في مقال حاقد أن المسيحية بصدد غزو الشرق واحتلاله وأن حركة التنصير تسير على قدم وساق، ولا أدري عن أي قدم أو ساق يتكلم.
إن تناقص أعداد المسيحيين في الدول العربية والإسلامية، بعد أن هجرها غالبية يهودها في أواخر أربعينات وخمسينات القرن الماضي، أمر يستحق الوقوف عنده ومحاولة منعه، فكلما قل عددهم بيننا زاد تعصبنا وقل قبولنا وفهمنا للآخر وتقديرنا لظروفه. وكل ما يقال عن مخاطر وجودهم بيننا لا يزيد على كونه تعصبا مقيتا لا يستند الى أي منطق، فوجودهم بيننا لمئات السنين لم يجعلنا أقل تعلقا بالعادات والتقاليد، أقول ذلك على الرغم من مقتي للكلمتين!! كما أن تسامحنا النسبي وتديننا في مرحلة ما لم يمنعا المد الأصولي الجاهل من النمو والانطلاق من منطقتنا.
ولا أدري متى نعي بأننا جزء من هذا العالم، ومثلما نطالب دول العالم الأخرى، والغربية بالذات، بضرورة احترام عقائد مواطنيهم المسلمين وتسهيل أدائهم شعائرهم الدينية وضمان سلامتهم، فإن علينا توفير الأمور ذاتها لغير المسلمين بيننا!! أقول ذلك وأنا على ثقة بأن الكثير من متخلفي ومتعصبي هذه الأمة المنكوبة يعتقدون بكل صدق بعكس ذلك، وأن من واجب العالم، ومن حقنا عليه، احترام أتباع ديانتنا، وأن الأمر ذاته لا ينطبق علينا، فنحن، قبل كل شيء، أصحاب الرسالة الصحيحة ونحن الذين على حق وهم، جميعا، على ضلال.

الارشيف

Back to Top