مقالات القبس وحائط المبكى
طلبت مراسلة أجنبية من صديقها فكرة مقابلة تختم بها عملها، فنصحها بمقابلة راباي يصلي منذ 40 عاماً أمام حائط المبكى. ذهبت له وسألته عما يفعل، فقال لها إنه يصلي لأطفال اليهود والمسلمين، وللسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن تسود العالم المحبة! فسألته عما حققه، فقال لها: يا ابنتي، ألا ترين أنني أكلم حائطاً من الحجر؟
كنت أشعر أحياناً بشعور ذلك الراباي نفسه، وفجأة، وكأن أبواب السماء قد انفتحت مؤخراً، وكأنّ أحداً ما بدأ يستعيد ما سبق أن كتبت من مقالات، وتطبيق المنطقي مما تضمنته من مقترحات، والعمل على إصدار توصيات أو أوامر أو تشريعات تتعلق بها!
قد أكون مبالغاً، لكن من الجميل الشعور بأن هناك من يقرأ ويطبق، وهذا يمثل قمة التقدير لدى الكاتب، خاصة إن كان يكتب لغير مآرب شخصية. فقد كتبت لسنوات مطالباً بتشديد الرقابة على الجمعيات الخيرية، فبعضها تمثل شريان الحياة لمؤسسات غير شرعية، خاصة خارج البلاد، فالكويت كانت مصدر تمويلها الرئيسي منذ ستينيات القرن الماضي، وحتى قبل أيام، وربما بلغ ما جمعته عشرات مليارات الدولارات، لا أحد يعلم أين ذهبت، ثم جاء القرار الحكومي ليوقف المهزلة، ويلغي كل تصاريح جمع التبرعات، بأية طريقة كانت، لأية مشاريع خارجية، فتوقفت الكثير من السرقات، ومنها مهازل شراء كنائس وتحويلها لمساجد. كما تمت الاستجابة لتكرار ما طالبت به، منذ عقود، بضرورة فرض «رقابة حقيقية» على ما يجري في أم الجمعيات، وهي الهيئة الخيرية العالمية، التي لم يكن احد يعرف ما يجري بداخلها، ولا حتى بعض العاملين فيها..
كما كتبنا نحذّر من السماح لعشرات الجمعيات الخيرية بفتح مقار في المناطق السكنية، والتقاط الشباب من بيوتهم للالتحاق بدروسهم، وتجنيدهم تالياً ليكونوا نواة قواعدهم الحزبية، فتم ما تمنيناه طويلاً. كما تعبنا من الكتابة عن عدم مشروعية وجود اتحاد وطني لطلبة الكويت، فكان التجاوب رائعاً في حله، حيث كان يعمل لأكثر من ثلاثين سنة من دون ترخيص.
كما كتبنا مرات عدة نطالب بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم القضاء، الذي نص على استبعاد خريجي كلية الشريعة من التقدم لوظائف محددة، فجاء مشروع قانون جديد، سيستبعد من خلاله خريجي الشريعة من العمل في القضاء أو المحاماة، وتعيينهم بدلاً من ذلك أئمة ومؤذنين، علماً بأن هناك نحو 600 خريج شريعة يمارسون مهنة المحاماة حالياً، وغير معروف بالطبع مدى الضرر، الذي تسبّب به بعضهم لمن تعاملوا معهم.
كما كتبنا بضرورة الاستعانة بالوسائل العلمية الحديثة لمعرفة الأنساب، بدلاً من الطرق التقليدية، وتم تطبيق ذلك بتوسع كبير مؤخراً.
كما انتقدنا التعسف والظلم في الكثير من قوانين الأحوال الشخصية، وخاصة ما تعلق بالنفقة والحضانة، وقتل الشرف، وحتى التسامح مع المغتصب إن قبل بالزواج بضحيته، فأعيد النظر في كل هذه الأمور، وأصبحت متوائمة مع القوانين الدولية.
كما كتبنا عن المعاشات الاستثنائية، والفروقات الهائلة في الرواتب بين وزارة وأخرى، حتى في الوظائف المتشابهة تماما، وهذه أيضا جار الانتهاء منها. وفوق ذلك انتقدنا في مرات عديدة منع حفلات الفنادق، وحتى عزف البيانو في ردهات الفنادق، فتم رفع كل هذه الممنوعات السخيفة.
كما كتبنا لسنوات نطالب بتشديد الرقابة على أموال القصّر والوقف، وتعيين خبراء استثمار لإدارة أموالهم، ووقف كل التعديات الموسمية عليها، فنقلت الحكومة حق الإشراف على أموالها إلى هيئة الاستثمار.
كما كتبت أكثر من مئتي مقال عن تطوير التعليم وتغيير المناهج، وبدأت التربية مؤخراً بالتحرك الجاد، لأول مرة، في هذا الاتجاه. وسبق أن انتقدنا هيئة أسلمة القوانين، وبعدها انتقدنا هيئة طباعة القرآن، والاثنتان كلفتا المال العام أكثر من مئة مليون دينار، من دون أية فائدة، تذكر، ولو ادعاءً!
وحتى إصرار «المرور» على إبقاء فلشرات دورياتها تعمل طوال الوقت كتبت عنها، وأخيراً تجاوبت الإدارة، وأوقفت تشغيلها إلا في حالات الطوارئ!
مساحة المقال لا تسمح بذكر المزيد، لكن الخير باقبال، والحكومة، برئيسها بالإنابة، تستحق كل تقدير!
أحمد الصراف