نسب الدكتور فينتر

يفتقد عالمنا العربي والإسلامي، كما يرى بعض المفكرين، للديموقراطية وكل ما تعنيه من حريات واحترام للآخر ولرأيه وطريقة معيشته. كما يعتبر عالمنا فقيرا في وسائل اتصاله ومواصلاته، ومتخلفا في نظم تعليمه بشكل مخيف، وهذا جعلنا، وسيستمر في جعلنا، قابعين في ذيل أمم الأرض، إن لم يكن في مكان أكثر سوءا!
قبل شهر تقريبا، أعلن العالم الأميركي كريغ فينتر توصله لإنتاج خلية مركبة صناعيا، وهي أول خلية تتكاثر على وجه الأرض بفضل نظام كمبيوتر معقد! رد فعل «علمائنا»، وهم رجال الدين هنا، وكأننا لا نزال في القرون الوسطى، وربما نكون كذلك، كان متفاوتا بين مصدق ومكذب ومنبهر ورافض ومعلل وناقد ومحذر ومهدد، ولا شيء غير ذلك!
فقد صرح أحمد شوقي إبراهيم رئيس «المجمع العلمي لبحوث القرآن»، وعضو لجنة «الإعجاز العلمي في القرآن»، بأنه يرفض هذا الكشف الذي يعتبره البعض الأعظم والأخطر في تاريخ البشرية الحديث، وأنه ليس بالفتح العلمي، بل مثال على انعدام الأمانة العلمية(!) وأنه لم يقدم أي شيء جديد، وانه لا يعدو أن يكون «فرقعة إعلامية» يراد بها الشهرة وتفتقد للأمانة العلمية، ولا تعدو أن تكون تزويرا للحقائق العلمية المعروفة. وفي جانب آخر خالف الجيولوجي زغلول النجار، وربما شريك أحمد شوقي في مجالس مواضيع الإعجاز، خالف شريكه ووصف الاكتشاف بالفتح العلمي الكبير، ولكن قال ان الأمر يتطلب ضبطه وتقييده بقيود أخلاقية عديدة.
وبالرغم من إنكار السيد أحمد شوقي إبراهيم، رئيس المجمع العلمي لبحوث القرآن، لعظمة هذا الاكتشاف فانه عاد واعترف به، مذكرا في مقابلة صحفية مع «الوطن» (5/26) بأن إنجاب أو خلق إنسان بمثل هذه الطريقة، يكون الكمبيوتر والده، سيدمر العلاقات الإنسانية وسيفتح الباب أمام انجاب بشر من دون زواج رجل بامرأة، وهذا سيخلق إنساناً بلا نسب، وستشيع الرذائل والكفر والضلال وتنتشر الجريمة وسينتج عن كل ذلك تدمير المجتمع بكامله.
وهنا نرى من حديث أخينا شوقي إبراهيم أن عدم معرفة الإنسان لأبيه أو أمه، أو معرفة نسبه سينتج عنه خلق إنسان مدمر لمجتمعه، ميال لإشاعة الرذائل ومحرض على الكفر واقتراف الجريمة، وما سينتج عنه في النهاية من تدمير للمجتمع. ولكن السيد شوقي إبراهيم على علم تام بوجود عشرات آلاف اللقطاء غير معروفي الأب، وحتى الأم، والنسب بيننا، وهم أحوج ما يكونون لمثل هذه العلاقات البشرية، التي يؤكد بكلامه على ضرورتها القصوى! ولكنه والكثير من أمثاله على علم واتفاق بأن تشريعات غالبية دولنا تمنع النسب عن هؤلاء بالرغم من وجود من يرغب في تبنيهم بصورة طبيعية. وإذا كان حقا مؤمنا بأن مسألة النسب تحمل كل هذه الأهمية وفقدها يتسبب في فناء البشرية، فما الذي قام به لحل مشكلة ملايين اللقطاء في عالمنا العربي والإسلامي؟
ولعلم السيد شوقي فقد كانت إحدى النتائج المأساوية لحرب البوسنة، والانتهاكات الرهيبة التي اقترفتها القوات الصربية بحق المسلمين فيها، وبعد تسعة اشهر تقريبا من انتهاء المجازر فيها، ولادة آلاف الأطفال غير معروفي النسب، والذين تلقفتهم أيدي راغبي التبني من أميركا وأوروبا! أما الدول الإسلامية، الأولى بأولئك اللقطاء، فقد أشاحت بوجهها عنهم، كما أشاح أفراد القوة الهولندية بوجوههم عندما كانت قوات الصرب العنصرية تغتصب النساء وتفتك بالعزل والأبرياء من مسلمي «سربنتزا» وغيرها.

الارشيف

Back to Top