الصيف الحارق والضمير المارق
كل تطمينات مسؤولي وزارة الكهرباء بأن الوضع تحت السيطرة ولن يكون هناك قطع مبرمج في الصيف المقبل، أي بعد شهرين، غير صحيحة، فالقطع ابتدأ منذ أيام، وكانت النزهة والمنصورية أول الضحايا.
لقد حذرنا، والعشرات غيرنا، من الأزمة المقبلة، فالشبكة الكهربائية متعبة، والمحولات مستهلكة، والضغط مستمر، والاستهلاك في ارتفاع، ولن يكون بإمكان الوزارة تلبية كل حاجة الدولة من الطاقة على ضوء التوسع المتزايد في توزيع البيوت السكنية، وبالآلاف، وتوقع زيادة أعداد الوافدين، وعدم توافر أية خطط لبناء مشاريع كهربائية جديدة، علما بأن التعاقد عليها وبنائها، لتبدأ عملها، يتطلب فترة لا تقل عن سبع سنوات، هذا إذا بدأنا بالتحرك اليوم.
لقد واجهنا، قبل عقد تقريبا، ما يشبه الوضع الحالي، حيث شمل القطع كل مناطق الكويت وكانت مأساة محزنة في بلد متخم بالأموال، وطبعا لم تتعلم الحكومة من تلك التجربة شيئا. يومها أصدرت القيادة أوامرها بضرورة فعل كل يمكن فعله لتلافي مشكلة انقطاع التيار، فقامت الوزارة، في أكثر عهودها هدرا، بصرف مبلغ 400 مليون دينار لكل من تقدم بعرض لتوريد محطات أو مولدات كهرباء، حتى لو كان بائع عصير جزر، فتم استيراد محطات خردة من دول عدة، من مخلفات الاتحاد السوفيتي، وتم بالفعل تلافي العجز الرهيب، لبضعة اسابيع، لتتوقف المحطات والمحولات عن العمل الواحدة تلو الأخرى، وتبدأ بالاحتراق أو الانفجار والتسبب في وقوع ضحايا، كان سببها فساد التلزيم والشراء المفتوح، وكانت فضيحة بجلاجل، حينها، خرجت منها كل الشركات المتهمة من دون أية عقوبة، لأسباب معروفة، يعرفها الجميع وغيرهم. وضاعت 400 مليون دينار من المال العام في جيوب البعض، ويتوقع تكرار الجريمة نفسها، قريبا.
* * *
يتبين من مضابط مجلس الأمة الأخير، ومن واقع كلمة للنائب عبدالوهاب العيسى أنه حذر، كما حذرنا عشرات المرات، من عدم الاكتراث بحجم المشكلة، وأنه لا أحد يود أن يستوعب حجم الأزمة التي ستواجهها الكويت قريبا، فهي كبيرة ومخيفة، والقطع مقبل لا محالة، والاعتماد على الربط الخليجي سوف لن يغطي الحاجة، فقطاع الكهرباء، والقطاع العام ككل، قد مات إكلينيكيا، لعجزه عن حل أية مشكلة، خاصة هذا الملف المتعب المربك، الذي اختار، على الأقل، آخر خمسة وزراء كهرباء، تجاهله، لعدم قدرتهم على فعل شيء إزاءه، فالوزارة تدور في حلقة جهنمية معروفة، والعجز في تصاعد، حيث سيبلغ 1300 ميغاواط مع نهاية هذا العام، و1400 ميغاواط في السنة التالية، و1600 في 2026، وهذا كله من دون وضع حاجة المستشفيات الجديدة، والمدن الجامعية وغيرها من مشاريع ضخمة في الاعتبار، هذا بخلاف حاجة عشرات آلاف بيوت السكن، في المناطق الجديدة، للطاقة. علما بأن التيار تم إيصاله لأكثر من قطعة في المطلاع، وغالبا بتدخل من نواب تجرح مشاعرهم رؤية كتف امرأة غير مغطاة، ولا تعنيهم مشكلة العجز الرهيب في الطاقة الكهربائية، هذا إن لم يسعوا لزيادة عجزها.
المشكلة أن أكثر وزارتين تقنيتين تداران جزئياً من خريجي الشريعة، وفي عهدهما انتهت كل عقود الصيانة، من محطات توليد كهرباء أو طرق، ولم ينبسا ببنت شفة!
المسألة خطيرة، وسيتأثر بها عشرات آلاف المواطنين والمقيمين، وعليه سأقوم بإعادة إيصال مولد الكهرباء لبيتي، بعد أن أزلته لفترة.
أحمد الصراف