أمراض النزاهة والنظافة والطهارة

«ليس كل مجتهد مصيباً»، مقولة تنطبق على الكثير من القوانين التي أقرّها مجلس الأمة مؤخرا، ولأن الوقت لم يكن في مصلحة الحكومة «المستقيلة» حاليا، فقد «تعجلت» في إصدار أكبر عدد من القوانين، فوقعت في مأزق السلق، حيث أقرت أغلبيتها، وفيها الكثير من المثالب والثقوب.

من القوانين القديمة التي صدرت، والتي امتلأت أيضاً بالمثالب قانون «نزاهة»، أو هيئة مكافحة الفساد، بالرغم من أهميته القصوى، فمحاربة الفساد أصبحت من أولويات الكثير من حكومات العالم، لذا جاء القانون وأخضع الوزراء والنواب والقضاة وكل شاغلي وظائف الدرجة الأولى، بمن في ذلك محققو الداخلية، ورجال النيابة، ومسؤولو البلدية وكتّاب العدل وغيرهم، بتقديم إقرارات بذممهم المالية، فور مباشرتهم لمسؤولياتهم، وتقديم إقرارات مماثلة بعد انتهاء تكليفهم، بغية التيقن بأنهم لم يحققوا أية ثروات غير مشروعة، وأعتقد أن القانون لم يمنح إقرار الذمة لما بعد انتهاء الخدمة حقه من الاهتمام، بالرغم من أنه المحك والأصل. كما لم يعط هذه الإقرارات العلنية اللازمة، فللأمة دورها في معرفة حقيقة ثروات المسؤولين، قبل وبعد، ولهم حق التشكيك في ما تضمنته تلك الإقرارات، أسوة بما هو متبع في الدول الغربية، فعلنية الإقرارات مسألة مهمة، فقد يتعمد الطرف المعني تقديم معلومات غير صحيحة، ومن حق المجتمع، أفرادا وجمعيات، التحقق من صحة تلك البيانات، وإبلاغ الجهات المعنية بما يرونه من مخالفات، علما بأن %99 ممن يشملهم تقديم إقرارات الذمة المالية ليسوا من رجال الأعمال أصلا، ويفترض أن ليس لديهم ما يخفونه، وهذه وأمور أخرى تجعل الكثير من مواد الهيئة من دون أنياب حقيقية. فقد ذكرنا قبل أيام في مقال عن أن ناصر الصانع، ذكر في مقابلة تلفزيونية أن رشوة قدرها 20 مليون دولار قد عرضت عليه، عندما كان نائبا، وذكرنا بأن استدعاء الهيئة له لا يعني الكثير، فليس بيدها فعل شيء إن رفض الكلام، مثلا!
* * *
من الصعاب التي تواجهها «نزاهة» رفض بعض الجهات الحكومية، التي وقعت فيها مخالفة ما، التعاون السليم معها، لسبب أو لآخر، إما لمكانة المتهم، أو لكونه محسوباً على جهة حزبية دينية، فنراها تعمد أحيانا لتقديم بلاغات مهلهلة، وغير مستوفية الشروط، يغلب عليها ضعف الصياغة، وتفتقر إلى البيانات الكافية، وتخلو من المستندات، وهذا غالبا ما يدفع جهات التحقيق في الهيئة لحفظ تلك البلاغات، وليست للهيئة سلطة تجبرها على تقديم بيانات متكاملة.
* * *
يقال إن نائبا سابقا، من المقربين للإخوان، قدّم مرة إقرارا بذمته المالية، بيّن فيه أن ثروته تبلغ 15 مليون دينار، وذكر أنها تتمثل أساسا بـ«الحلال» الذي يمتلكه! والمقصود بالحلال «الجمال» التي في الصحراء، وهذه الإبل تمتاز بأن ليست لها لوحات تحمل أرقاماً، ولا أرقام شاصي ولا سند ملكية. فإن تضخمت ثروته مستقبلاً، بطريقة غير مشروعة، فسيدعي أنها نتيجة بيع بعض «حلاله»!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top