ضمائر من غير لحم

لا أعتقد أننا نستحق أن نكون ضمن الأمم التي تحترم نفسها، فما يجري بين ظهرانينا امر يدعو للخجل حقا، فعشرات قضايا السرقة والفساد في كل مرفق تقريبا تجري من دون أن يرف جفن أي مسؤول في الحكومة المعنية بأمن المواطن وسلامته وصحته! وقضية اللحوم أو الاطعمة الفاسدة خير مثال، وهي ليست بالجديدة، وأكاد اجزم بأنها ستنتهي إلى لا شيء، غير إلغاء ترخيص أو إغلاق محل، ليقوم الأشخاص انفسهم بفتح محل آخر وبترخيص جديد!
شرح قضية التلاعب بسيط جدا، فالتاجر يستورد الأغذية، وينقلها لمخازنه، بعد توقيعه نموذجا سخيف التصميم وركيك الكلمات، يتعهد فيه بعدم التصرف بالبضاعة قبل حصوله على الموافقة بصلاحيتها للاستهلاك الآدمي! تطول الموافقة بسبب خراب ذمم بعض موظفي البلدية، وتخلف اساليب العمل وافتقار الإدارة المعنية للأجهزة الحديثة، وهنا يقوم غالبية الموردين بالتصرف ببضاعتهم قبل حصولهم على الموافقة! وأحيانا، وربما لاسباب تعود لصراعات أو لتوقف «دهن السير»، ينكشف سوء تصرف البعض ويبدأ اللغط وتنشط حملات الكشف على المواد المنتهية الصلاحية، ونكتشف «فجأة» أن هناك من يحتفظ بمواد غذائية منتهية الصلاحية منذ عشر سنوات!
ولكي يقدم المتهمون للعدالة يتطلب إبراز ما يثبت خطأ التاجر وسوء تصرفه بالبضاعة قبل حصوله على الموافقة بصلاحيتها، وهنا أيضا، بسبب الفساد الذي زاد انتشاره مع زيادة انتشار «أبناء الصحوة الدينية» في الدوائر الحكومية، إضافة لتخلف أنظمة حفظ المستندات والرقابة عليها، فليس من المستغرب، وربما مقابل مبالغ تافهة، اختفاء الملفات التي تحتوي على تعهدات عدم البيع، وهي دليل الإثبات الأهم ضد التاجر المخالف!
ولو قام أي فرد، كما سبق ان فعلت في أكثر من مناسبة، بمراجعة إدارة الأغذية المستوردة، لمتع ناظره بكم الوجوه المكفهرة والجاهلة التي تدير تلك الإدارة، ولشاهد مدى تخلف انظمتها واجهزة فحص المواد الغذائية المستخدمة فيها، ومدى سهولة القيام بأية عملية تخريب داخلها. والحقيقة أن اللوم لا يقع على هؤلاء فقط، فربما بحت حناجرهم على مدى عقود وهم يطالبون الحكومة بتوفير أجهزة حديثة لفحص المواد الغذائية، ولكن «الأعمام» كانوا دائما «صمخان»!
والغريب أن هؤلاء العمام انفسهم ساهموا في تدهور صحة الموطن والمقيم من خلال «غض النظر» عن دخول مئات الأطنان من المأكولات الفاسدة إلى البلاد، وقاموا في الوقت نفسه بصرف مليار دولار لإنشاء مستشفى يحتوي على 1700 سرير، لمعالجة ما أصاب المواطنين من سوء التغذية والأغذية، فهل رأيتم فسادا أكثر من ذلك؟.

الارشيف

Back to Top