سليمان.. وصمته النبيل

لم ينجح مواطن في أن يضع الكويت على مسرح الثقافة عالمياً، كما نجح الفنان والمخرج القدير سليمان يحيى البسام، وأنا لدي مشكلة معه، مرتبطة أساساً بوضع الثقافة في وطني، فكلما رأيت له عملاً، شعرت بالفخر من جهة، وبالحزن والانزعاج الشديدين، من الجهة الأخرى، لشبه تعمُّد أجهزة الدولة تجاهل إعطاء الرجل ما يستحق من احترام وتقدير، ليس لروعة أعماله المسرحية، وليس لجودته المضنية، بل وأيضاً لما يبذله، دون منة، من وقت ومال خاص، لإنتاج وإخراج أعماله العالمية الرائعة، ليس فقط لإشباع رغباته وبلوغ الكمال في أعماله الفنية، بل وأيضا لرفع اسم وطنه عالياً في الخارج.

مسرحيته الأخيرة الصمت أو mute التي شاهدت، قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، عرضاً خاصاً لها على دار الآثار الإسلامية، كانت صادمة في روعتها وموضوعها، صارمة في كل أبعادها، وهو العمل الرابع الذي أشاهده للفنان والمخرج سليمان، والذي لا يمكن إلا ملاحظة مدى حرصه ليس فقط على تقديم عمل فني متكامل، بل وجديد في قدرته على حبس أنفاس الحضور لأكثر من ساعة، والكل شاخص بصره منجذب لروعة الأداء، بالرغم من خلو المسرح إلا من ممثلة وحيدة، وعالمية قديرة، وعازفين اثنين.

سبق أن أقيمت الورشة الأولى لهذا العمل العالمي في سويسرا خلال أكتوبر 2022، ثم انتقل الطاقم لتونس العاصمة، حيث عرضت المسرحية بالتعاون مع المسرح الوطني التونسي خلال شهر مارس 2023 على هامش مهرجان تونس المسرحي العالمي، ثم تم تقديم بروفة مفتوحة لها في 22 يوليو 2023 على خشبة مسرح فيلترينيلي fondazione giangiacomo feltrinelli بمدينة ميلانو الإيطالية، ضمن مهرجان الصيف للمسرح والرقص السنوي.

لعلاقة المخرج البسام بأيام قرطاج السينمائية، عام 2021، التي حصلت فيها مسرحيته المميزة «آي ميديا»، عن جدارة، على ثلاث جوائز على العمل، كأفضل نص وجائزة أفضل سينوغرافيا، وجائزة أفضل أداء للرائعة حلا عمران. ومن الكويت انتقل العمل لتونس ثانية، حيث أعيد عرض «الصمت»، في مهرجانها الدولي، وهنا أيضاً تم تتويجها، عن استحقاق، على ثلاث جوائز عالمية.
* * *
مسرحية الصمت ليست عادية، فهي تتطرق بالصوت القوي والرهيب للمأساة الإنسانية والأمنية والسياسية التي ضربت في عمق بنية بيروت ونفوس وقلوب سكانها، وبالتبعية بقية لبنان، في الرابع من أغسطس 2020 عندما شهد مرفئها أضخم انفجار غير نووي في التاريخ أطاح كلَّ شيء، وتسبب في تعميق جراح ومأساة لبنان، وكشف عمق الفساد السياسي، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي ضربت وطناً عربياً جميلاً بحيث أصبح بلا قيادة، وبلا مصارف وبلا عملة، وبلا استقلال وبلا رؤية وبلا مستقبل.
* * *
ولدت مسرحية الصمت انطلاقاً من التزام مخرجها ومعدها ومؤلفها بدور المسرح السياسي في مواجهة كل هذا التدمير والخراب، الذي لم يترك شيئاً سليماً داخل وخارج نفسية المواطن اللبناني، ونتمنى أن يصل هذا العمل ويعرض على أكبر عدد من مسارح الدول العربية، أو ما تبقى منها، متمنين في الوقت نفسه أن يحظى المخرج العالمي سليمان البسام بتكريم الدولة، وأن يكون اسمه على رأس قائمة المستحقين لجوائز الدولة التقديرية.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top