كل ما أعرفه هو.. أنني لا أعرف شيئاً

عنوان المقال حكمة قالها الفيلسوف سقراط، الذي يقال إنه توفي في 15 فبراير عام 399، قبل ميلاد المسيح، وتعتبر أحد أشهر الاقتباسات في الفلسفة الغربية بأكملها، وكانت لها آثار عميقة، فلا شيء في معتقداتنا وآرائنا الشخصية يمكن أن تحمل درجة اليقين الحقيقي، حتى لو تعلق الأمر بأخص خصوصياتنا، فكلمة «الشك» كانت دائماً الكلمة الأعظم في التاريخ البشري، والسر وراء كل ما جاء من اكتشافات ومخترعات في التاريخ. ومشكلة البشرية برمتها، كما يقول الفيلسوف البريطاني، برتراند راسل، تكمن في أن الأغبياء والمتعصبين واثقون بأنفسهم دائماً، أما الحكماء فتملؤهم الشكوك. فالمطالبة باليقين أمر طبيعي بالنسبة للإنسان، ولكنه مع ذلك رذيلة فكرية معرقلة للتقدم.

الطريف، أو المحزن، أن هذه الجملة تمثل الحكمة الحقيقية الوحيدة الصحيحة، وهي أن نعرف أننا لا نعرف شيئاً. فلا يمكن للمرء أن يتعلم أي شيء في الحياة إذا كان يعتقد أنه يعرفه بالفعل. لذلك علينا دائماً أن نفتح أذهاننا، وأن نتحلى بعقلية تسمح لنا، في كل لحظة، بالتقاط شيء جديد.

بالرغم من عظمة هذه العبارة، فإن البعض يجدها متناقضة مع نفسها، فكيف تكون «المعرفة غير موجودة»، ونقر في الوقت نفسه أننا «نعرف» بأننا لا نعرف؟

فمقولة سقراط تتضمن حقيقة أموراً عدة، تبين عمق الفلسفة اليونانية الإغريقية. فعندما أقول إنك تقف أمامي، فأنا أعلم أيضاً أنني أعرف تماماً أنك تقف أمامي، وهذا متناقض مع الحكمة، إن أخذناها حرفياً. وبالتالي من الأفضل التأكيد على أن المرء لا يعرف شيئاً ما بدلاً من التوصل إلى استنتاجات خاطئة. لكن وجود حالة من الارتباك لا يؤدي بالضرورة إلى تشويه سمعة كل المعرفة التي لديك. فالمعنى الضمني لحكمة سقراط هو أننا، كبشر، لا يمكننا أبداً أن نتطور بأنفسنا. وهذا يعني أن هناك دائماً شيئاً جديداً يتطلب الأمر تعلمه أو القيام به. نحن ندرك ما هي «الخطوة التالية» عندما نبدأ في التعلم وأداء أفعال جديدة، وعندما نتخذ هذه الخطوة التالية، غالباً ما نشعر بالضياع، وكأننا في حلقة لا نهاية لها من عدم المعرفة، وهذا شعور يتسبب في إصابتنا بالإرهاق، لكنه ضروري لنمو الشخصية والعقل، وكسب المعرفة، فالأشياء العظيمة لا تأتي بسهولة. كما أن وصول شخص ما لمرحلة ما في في حياته يعتقد فيها أنه «يعرف كل شيء» عن وظيفته أو حرفته أو مهارة ما، فهذا يعني تلقائياً أنه لا يعرف كل شيء حقاً، ومن المرجح أن يفشل قريباً، فالاعتقاد بفهم كل شيء يوقف التطور.

الخلاصة، لا أحد يعرف كل شيء، ويجب ألا نشعر بذلك، وأن نسعى باستمرار إلى أن نزيد معارفنا، ولم يتقدم فرد أو مجتمع أو دولة بالعقيدة، أو المال أو القوة العسكرية إلا وانهارت تالياً، ومن سيبقى هو من يمتلك العلم، ومن يمتلكه سيستمر في الإيمان بأنه يعلم، وأنه بحاجة مستمرة لأن يعلم، وأنه سيبقى لا يعلم.. كل شيء!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top