تأجيل السعادة

من المحزن، كما تقول الكومارية أرونا لادفا، أن الكثيرين منا يميلون للشعور بالحزن وإنكار السعادة بحجة أننا لا يمكن أن نكون سعداء من دون تحقق أمر ما، أو أن يوما ما سنصبح سعداء، كما نرغب، عندما نتقاعد مثلا! ولكن السعادة لا تقع في بقعة أو مكان أو وضع معين، فقد يراها البعض في كل شيء وكل مكان، بينما لا يعرف آخرون ما تعنيه، فنحن في غالبيتنا نعد أنفسنا بالسعادة متى ما انتهينا من مرحلة الدراسة والسهر وضغوط الامتحانات، ولكن ما أن تنتهي الفترة ونشعر بالسعادة حتى تجرفنا قضايا الحياة الأخرى وننسى، ونعد أنفسنا باننا سنكون سعداء حتما إن حصلنا على وظيفة توفر لنا دخلا يغنينا عن مذلة طلب المصروف من أهالينا ولكن بعد فترة ينتابنا الحزن لسبب ما، وهنا ايضا نعد انفسنا بأنه سيختفي مع الترقية الوظيفية المرتقبة أو الزيادة في الراتب أو الالتقاء بفتى أو فتاة الأحلام، وتتحقق كل هذه الأمور وتأتي السعادة في كل مرة للحظات وسرعان ما تختفي بمثل ما أتت، ونعتقد بأنها ستعود مع أول طفل يملأ حياتنا بهجة وحبورا، وطفل آخر يشارك اخاه أو اخته الحياة ويكون عضدا له او لها، ثم ننتظر الترقية أو الصفقة التجارية الموعودة، وأن السعادة ستليها دون شك، ولا تأتي بسبب صخب الأطفال وصياحكم، وهنا نقنع أنفسنا بأن الراحة والسعادة ستأتيان مع ذهاب الأطفال للمدرسة، أو عندما يكبرون ويقل ضجيجهم وتقل مشاكلهم، أو عندما ينهون دراستهم ويتزوجون ويستقلون بحياتهم، ولا يحدث شيء من هذا، ثم نعد انفسنا بالسعادة في الإجازة المقبلة التي سننسى فيها متاعب الحياة، ولكن الحقيقة ان ليس هناك وقت أفضل للشعور بالسعادة من الآن، فالسعادة ليست محطة أو نقطة نود الوصول اليها، بل هي رحلة حياة مستمرة. وقد بينت دراسة بريطانية شارك فيها 4700 شخص عام 2008 أن السعادة معدية، بعكس الشعور بالحزن لأثره المحدود نسبيا على الآخرين، وهذا يعني أننا سعداء بطبيعتنا وأن السعادة أقرب للنفس الإنسانية من الحزن. كما بينت دراسات أخرى أن الجماعات الأكثر ارتباطا ببعضها اكثر سعادة من غيرها بسبب شعور أفرادها بالانتماء ووجود شبكة من العلاقات الاجتماعية بينهم وهدف أو أهداف تجمعهم، بعكس الذين يعيشون منفردين. كما ثبت ان الأكثر سعادة هم الأكثر انتاجا، وبالتالي فالسعادة هي حالة ذهنية، تستطيع فيها أن تقنع نفسك بما تشاء، فليس هناك ما يستحق الحزن عليه، ولا شيء يبدو بمثل ذلك السوء الذي تبدو عليه الامور لأول وهلة، فهل كانت سعادتنا تكمن في ساعة يد ويجب عند فقدها أن نشعر بالتعاسة مثلا؟ أم ان السعادة تكمن في سيارة تلمع بحيث ان خدشها قد يذهب بسعادتنا؟ إن الحقيقة المطلقة أننا نشعر بسعادة أكثر عندما نكون بحضور أناس سعداء وبالتالي عليك بأن تترك صحبة دائمي الشكوى، فالسعادة، كما قلنا ليست محطة ترغب في الوصول اليها، بل هي رحلة حياة مستمرة، وهي لن تأتي في الغد أو بعد الغد، بل هي الآن، وفي هذه اللحظة، فلا تضيع وقتك في الحزن والتفكير في المصائب.

الارشيف

Back to Top