المادة 206 ومنع التجميل

أصيب لص بكسور وهو يحاول سرقة بيت من خلال الشباك الذي سقط به، لأنه لم يكن مثبتاً بشكل جيد، فرفع أمره إلى السلطان قراقوش، فأمر هذا بإعدام صاحب البيت لإهماله، فتعذر صاحبه بأن الحق على النجار، الذي لم يثبت الشباك جيداً، فطلب السلطان شنق النجار، فقال هذا إنه ربما أخطأ في دق المسمار، لأن فتاة جميلة مرت من تحته، وأدار عطرها رأسه، فأمر السلطان بشنق الفتاة، التي تعذرت بأن الذنب ليس ذنبها لأنها جميلة، بل ذنب صاحب الحمّام العمومي، الذي غمرها بعطره، فطلب السلطان شنق صاحب الحمّام!

عاد الجند إلى السلطان قائلين إن صاحب الحمّام طويل القامة، ويحتاج إلى مشنقة خاصة، فطلب قراقوش شنق صاحب حمّام أقصر قامة!

يبدو، من خلال العجيب من مقترحات «نوعية خاصة من النواب»، أننا أصبحنا نعيش في مرحلة قراقوش.
***
صدر عام 1964 تعديل على المادة 206 من قانون تناول المشروبات المسكرة، بأن يعاقب بالحبس والغرامة المالية كل من باع أو اشترى وتنازل أو قبل التنازل أو حاز بأي صورة كانت بقصد الاتجار والترويج خمراً أو شراباً مسكراً، وتم استثناء الجهات الدبلوماسية والبعثات الأجنبية من القرار.
***
ماذا حدث بعد صدور القانون.. لا شيء تقريباً!

فمن كان يشرب استمر في شرابه، وإن أصبح مضطراً إلى دفع أضعاف ما كان يدفعه في السابق! كما توقف استيراد المواد المسكرة بالطرق الرسمية، وأصبح التهريب وسيلة دخولها للبلاد، فحقق أصحاب النفوذ، والمغامرون، ثروات طائلة من وراء ذلك، وازداد عدد مصنعيها في الداخل، وفقد الكثيرون، مواطنين ومقيمين، أرواحهم نتيجة تناول مشروبات مغشوشة أو سيئة الصنع، وزاد الفساد نتيجة شراء الذمم، ودفع الرشاوى لتسهيل عمليات التهريب! وفوق كل ذلك زاد عدد مدمني المخدرات أضعافاً مضاعفة!

كما أصبحت السياحة للدول العربية، والخليجية بالذات، للترويح عن النفس، بشتى الطرق، مصدراً لتعويض ما حرّمته قوانينا، غير المنطقية، على المواطن والمقيم.
***
اليوم تخرج علينا مجموعة من المشرعين الفطاحل، الذين يهدفون إلى دروشة الحياة في الكويت، ودفعها أكثر نحو الغلو والتشدد، مطالبين بسن تشريعات تمنع إجراء عمليات التجميل، للجنسين، وإغلاق العيادات التي تقوم بهذه الأعمال!

إن أُقرّ مثل هذا القانون القراقوشي، فستنزل عمليات التجميل لتحت الأرض، وستُجرى بطريقة سرية، بعيداً عن كل أنواع الرقابة الموجودة حالياً، وسيفقد الكثيرون أرواحهم، كما حدث مع صدور المادة 206 مكرر، وستتجه جحافل الراغبين في إجراء عمليات التجميل والترميم إلى الدول المجاورة للقيام بها هناك، لنفقد السيطرة على الوضع، ونخسر مئات الملايين، لأن بعض دراويش الأمة رأوا ذلك.

المنطق يسهل فهمه، لكن بعض العقول يصعب عليها ذلك!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top