الليبرالية ومأساة المثلية

المثلية موجودة في كل مجتمع على وجه الأرض، ولا استثناء.

تجاهل القضية، أو محاولة كنسها تحت السجادة، والمطالبة السخيفة بإفناء من تنطبق عليه «المثلية»، عملية أثبت التاريخ عبثيتها، وبالتالي من الضروري التصدي لها بالمناقشة الحرة والعاقلة.
***
يعد تحديد النسبة المئوية الدقيقة للأفراد المثليين بين الأطفال حديثي الولادة أمراً صعباً، بسبب عوامل مختلفة. التوجه الجنسي، وتحديد كون الشخص مثلياً من عدمه، عملية معقدة، وتصبح أكثر سهولة مع التقدم في العمر، متأثرة بمجموعة من العوامل الوراثية والهرمونية والبيئية، التي لا يتم تحديدها غالباً بدقة عند الولادة، فالأبحاث تشير إلى أن التوجه الجنسي ليس اختياراً واعياً أو شيئاً يمكن التأثير فيه أو التنبؤ به بدقة في سن مبكرة. إلا أنه من المعروف أن هناك نسبة مئوية من المواليد تأتي إلى هذا العالم ولديها أعضاء جنسية مشوهة، أو مشتركة مع الجنس الآخر، ونسبتهم تختلف من مجتمع إلى آخر، وليس هناك مجتمع، ولا حتى أسرة كبيرة، يمكن أن تدعي أنها أفضل من غيرها، وأن مواليدها جميعهم «أسوياء»، جنسياً، وليس بينهم reject or defected.

على ضوء هذه الحقيقة، من الصعب جداً فهم كل هذا الهجوم من البعض على المثليين، فلا شك في تحاملهم وجهلهم «المقصود» بالحقائق العلمية المتعلقة بالسبب في وجود أفراد يختلفون جنسياً، بدرجة أو بأخرى، عن السواد الأعظم من البشر، ويعيشون بيننا، ونعرف أسماءهم وحتى مناصبهم الرفيعة، ولم يقلل ذلك يوماً من أدائهم، أو جعلهم من غير البشر!
***
من جانب آخر، تجتاح المجتمعات الغربية موجة من التسامح أو التساهل والتشجيع لظاهرة المثليين. وتختلف مواقف دول العالم بحدة منهم، فهناك دول تعترف بوجودهم، وحتى بحقهم في الزواج من نفس جنسهم، وأخرى تحكم بالإعدام عليهم. كما أن منظمة العفو الدولية تعترف بحقوق المثليين، وتسمح لهم بالتبرع بالدم، وتعترف بالعلاقات بينهم، والسماح لهم بالتبني، والاعتراف لهم بحق الأبوة والأمومة!

لا شك أن قطاعات ضخمة، وفي تزايد مستمر، ضمن المجتمعات الغربية وغيرها، تعارض فكرة التوسع في حركة التحرر الجنسي مع المثليين. وترفض بشدة، تصل إلى درجة العنف، فكرة زواج المثليين، أو اعتبارهم كغيرهم من الغالبية. كما ترفض بشدة أكبر التساهل المقلق في نشر ثقافة المثليين، وفي إقحام «المثلية» في المناهج الدراسية لأطفال لا تتجاوز أعمارهم الثامنة، وتأثير ذلك على توجهاتهم الجنسية مستقبلاً، ومجتمعاتنا، شئنا أم أبينا، ستتأثر بهم، ومن الضروري بالتالي التصدي لهذا الموضوع بطريقة حضارية، وأكثر قرباً للإنسانية.
***
سبق أن أبديت، في أكثر من مقال، «تفهمي وتعاطفي» مع وضع المنتمين إلى هذه الفئة، وما يعانونه من سلطات دولهم، خصوصاً الإسلامية، إلا أن ما أصبحنا نراه في بعض الدول الغربية، وأميركا بالذات، لا يمكن قبوله بأي حال، وتحاول جهات تبريره، وجعله يبدو نوعاً من رد الفعل لسنوات طويلة من الاضطهاد والقتل وسوء المعاملة التي تلقاها هؤلاء لقرون وقرون!
***
إن مشرّعي الأمة مدعوون إلى التصدي لمشكلة المثليين بطريقة مختلفة. فما يدعو إليه البعض من ضرورة «اجتثاث وإفناء هؤلاء» ثبت عدم جدواه، ليس فقط مؤخراً، بل منذ وجدت البشرية، فماذا هم فاعلون؟
***
أبدى السيد طلال أبو غزالة، صاحب مكتب تدقيق الحسابات، رغبته، أثناء لقائه بالمستشار في الديوان، الشيخ فيصل الصباح، في وضع كتاب وفيلم عن الكويت ودور أسرة الصباح، تعبيراً منه عن الوفاء لوطننا.

نشكر السيد أبوغزالة على الفكرة، ونتمنى عليه، رحمة بسيرته وسنه، ألا يستغل الهدف النبيل الذي أعلنه، ويقحم شيئاً من سيرته الشخصية، في ما يزمع القيام به. وإن حدث ذلك، فسنتصدى للموضوع، من خلال ما نعرف عنه، وسبق أن تطرقنا إليه في مقالات عدة.

كما يصعب تناسي تنبؤاته السلبية والخاطئة، التي أضرت بالكثير في حينه!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top