الياباني شيرو والتيس العنيد

كان الياباني شيرو أوقوني shiro oguni يزور يوماً مأوى لكبار السن من ضعاف الذاكرة أو فاقديها. أحزنه وضعهم النفسي، وانعزالهم التام عن المجتمع وتجاهل الجميع لهم، وما كان يكتنف قلوب نزلاء المأوى من شعور بالوحدة القاسية. فطرأت على باله فكرة تشغيل مطعم مميز بحيث يعمل فيه نزلاء المأوى كمضيفين ومضيفات، وأن يكون الطعام فيه مميزا بحيث يكفي لجذب الزبائن، إضافة لفكرة المطعم الإنسانية المتمثلة بتشغيل المصابين بالنسيان أو بداية الخرف، في أعمال منتجة ومسلية في الوقت نفسه، لما لذلك من مردود كبير على المجتمع، ككل.
***
الخرف هو مصطلح عام يشير إلى تراجع القدرات العقلية والتذكر بشكل تدريجي، ويشمل أسبابا متعددة مثل الشيخوخة الطبيعية والأمراض المزمنة. أما ألزهايمر فهو نوع من أنواع الخرف الأكثر شيوعا، ويتسم بتراجع التذكر التدريجي وتدهور الوظائف العقلية والتنفيذية بشكل خاص، ويحدث نتيجة تكون ترسبات غير طبيعية في المخ تؤثر على الخلايا العصبية.
***
نجح مشروع المطعم، تجاريا وإنسانيا، بشكل فاق توقعات صاحبه، على الرغم من أن %37 من طلبات الزبائن كانت مخالفة لما طلبوه، وكان ذلك مصدر ضحك الطرفين، ما جعل المشروع مميزا، لكن % 99 من رواده خرجوا سعداء بالتجربة، والطعام المميز، ووعدوا بالعودة له.
***
الحضارة ليست ديناً ولا سيارةً فارهةً ولا معبداً مزخرفاً، بأسقف شاهقة العلو، ولا شوارع واسعة ولا مدارس ضخمة، ولا هياكل تعليمية منظمة ومعقدة تتميز بالتكنولوجيا المتقدمة وبنية تحتية رائعة وتطبيق للحوكمة ووجود تنمية ثقافية بين السكان، بل هي كل ذلك والأهم منها أن يكون الشعب المتحضر إنسانيا، وهذا ما نفتقده، مع الأسف الشديد في مجتمعاتنا.
***
ذكرتني قصة المطعم بطرفة قديمة سبق أن تطرقت لها قبل سنوات عن زوجين يشكوان دائما من ضعف الذاكرة، وكان ذلك سببا في اختلافهما كثيرا على صغائر الأمور.

قاما، بناء على نصيحة أبنائهما، بزيارة عدد من الأطباء، وإجراء مختلف تحاليل الدم والفحوصات، فلم يظهر عليها ما يقلق كثيرا، ونصحهما آخر استشاري أمراض عقلية بأن يتقبلا الأمر على علاته، وأن يحاولا كتابة ما عليهما القيام به، لتجنب نسيان الأمر.

عادا من عيادة الطبيب، وفي مساء ذلك اليوم قال الرجل لزوجته انه يريد أن يحضر لنفسه سندويشة، أو شاطر ومشطور، وبينهما طماطم وجبنة شيدر، وسألها إن كانت تريد منه تحضير مثلها لها، فقالت انها تريد سندويشة خيار وجبنة بيضاء فقط!

طلبت منه بإصرار واضح أن يكتب طلبها على ورقة ليتذكره، لكنه كرر الطلب عليها ووعدها بأنه لن ينسى، فهو لم يصب بعد بالخرف، لكنها أصرت على طلبها، وأصر هو أيضا على موقفه وترك الغرفة غاضبا.

عاد بعد غياب طال قليلا، وهو يحمل صحنا به سندويشة طماطم مع جبنة شيدر، وصحنا آخر يحتوي على بيضتين مقليتين، ووضعه أمامها، فبادرت زوجته بتوجيه اللوم له، ووصفه بـ«التيس العنيد»، لأنه رفض أن يكتب طلبها، فرد بأن هذا ما طلبته، فوافقته على ذلك وأضافت قائلة؛ لكنك نسيت إضافة البطاطا والكاتشاب، كما طلبت منك!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top