هيئة الزراعة.. وصقر الصيد

نشرت القبس قبل أكثر من 8 سنوات تقريراً أعدته إدارة الفتوى والتشريع، بيّن أن %57 من القسائم الزراعية التي تم التحقيق في توزيعاتها المخالفة ذهبت لغير مستحقيها. بعد شد وجذب طال، قضت محكمة التمييز مؤخراً، في ثاني حكم نهائي لها في هذا الموضوع، بسحب جميع القسائم التي سبق أن وزعت خلال تلك الفترة، وبنت المحكمة حكمها ليقينها بوجود مخالفات فعلية في عملية التوزيع، منها مثلا فوز شركات بأكثر من قسيمة، ودخول القرعة شركات لا علاقة لأنشطتها بالزراعة، ولا بالأمن الغذائي، كصناعة الألمنيوم والعطور.. إلخ!

خلال هذه السنوات، قام من وزعت عليهم تلك القسائم باستخدامها طيلة تلك الفترة، والصرف على تطويرها، كما تصرف آخرون ببيعها بالباطن للغير.

المهم في الموضوع أن «إدارة» الزراعة لم تنكر حدوث تلك المخالفات، ولم تنكر مخالفتها للشروط المقررة بلوائح توزيع المزارع، وبعضها مخالفات جسيمة من خلال منح من لا يستحق أملاكاً تعود للدولة، وموافقتها تالياً، في مخالفة صريحة للوائح، على بيع تلك الحيازات لغيرهم.

يقول المثل الإنكليزي إن رقصة التانغو لا يمكن أن تؤدى براقص واحد، بل بحاجة لشريك. وبالتالي فإن هناك طرفاً مدلساً، شارك في القرعة، وهو لا يستحقها، وطرفاً أو موظفاً مسؤولاً متخادناً معه قبل طلبه وساعده في الفوز بقسيمة زراعية لا تقل مساحتها عن 50 ألف متر مربع! والمحكمة الموقرة بحكمها التاريخي أعادت أملاك الدولة ممن أخذها بغير حق، لكن الحكم لم يتطرق للمسؤولية المدنية والمالية لعشرات موظفي هيئة الزراعة، وبالذات ممن كانوا يديرون أمورها في حينه، وضرورة الرجوع عليهم بالعقاب، وطلب التعويض المادي منهم لما اقترفوه من إهمال أو تخادن، تسبب في الإضرار بحقوق الدولة وأموالها، وبحقوق بعض من شارك في تلك القرعة، ولو كان مشاركاً واحداً بريئاً، علما بأن عدد من فازوا بالقرعة بلغ 360، وسحبت القسائم منهم، بعد 8 سنوات من فوزهم بها، فلمَ عُوقب من لا علم له بكل المخالفات التي ارتكبتها إدارة هيئة الزراعة؟

كما يتطلب الأمر من الجهة المعنية في الحكومة عدم الاكتفاء بسحب القسائم من الشركات المتلاعبة، بل وفرض عقوبات على المخالفين منهم لشروط الاشتراك في القرعة، وشطبها من السجل التجاري مثلاً.

الموضوع طويل وفيه تفاصيل وحيثيات وتبعات، ولا يجوز أن تمر الأمور هكذا، بل يجب أن تكون درساً للمستقبل. كما بين هذا الحكم وغيره أن مجتمع «الفضيلة» الذي نتشدق به، وتكرار وصف أو الإشارة للمجتمع الكويتي بأنه محافظ ومتدين، من خلال الحكم على الظاهر والمظاهر الأقوال الجوفاء، وصف مخالف للحقيقة، فهو مجتمع، في غالبيته، فاسد كغيره من مجتمعات العالم الثالث. فالتدين عند هؤلاء هو في الغالب «صقر»، أو طير يصلح للقنص أو الصيد به!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top