الهيئة التي كشفت عورة وعوار الدولة

قدمت الحكومة قبل عشر سنوات مشروع قانون لمجلس الأمة لإنشاء هيئة للطرق والنقل البري. صرف المال العام ما لا يقل عن خمسة مليارات دينار عليها، لتقرر الحكومة بعدها فشل الفكرة، وحلها ونقل مهامها لإدارة في الأشغال!

تنبأنا منذ اليوم الأول بفشل هذه الهيئة، واقترحنا قبل شهرين إحياءها وإعادة الصلاحيات إليها، ولكن لم يسمعنا أحد، لا في المرة الأولى، ولا قبل إعلان وفاتها رسمياً قبل بضعة أيام!

جاءت الهيئة إلى الحياة ميتة، فقد أعطيت حجم صلاحيات ومسؤوليات فوق طاقة أي شخص لإدارتها بكفاءة، خصوصاً بعد أن تسلمها «الإخوان»، وهات يا تعيينات من كوادرهم منذ اليوم الأول!

فقد ترددت وزارة الأشغال لسنوات قبل الموافقة على تسليم الهيئة حق الإشراف على الطرق، والتي كانت بمنزلة الدجاجة التي تبيض ذهباً، وفعلت ذلك، بعد ممانعة، ليس قبل أن تترك الوزارة لنفسها كل الطرق الداخلية!

كما رفضت الداخلية تسليم الهيئة حق الإشراف على إشارات المرور، وحق إصدار تراخيص المركبات، وحق الإشراف على النقل البري، وحق إعطاء التراخيص، وحق تحصيل غرامات الطريق، كما نص عليه قانون تأسيسها، وحق وضع معايير الفحص الفني لجميع المركبات وتطويرها وإدارتها وتراخيصها والإشراف عليها، وحق إصدار وتجديد رخص القيادة، وحق فحص أنظمة النقل الجماعي والتأكد من سلامتها، وحق بناء والإشراف على مراكز الفحص الفني وترخيصها، واشتراطات التأمين على جميع المركبات، وحالتها الفنية، واشتراطات من يقودها، وخبرته في القيادة، وإدارة وتشغيل نظم وزن الشاحنات والتنسيق مع الجهات المعنية، وحق تأسيس شركات مساهمة أو المشاركة فيها لتنفيذ مشاريعها، وكل هذه «الحقوق» وردت في قانون الهيئة بحضور وزير الداخلية شخصياً، ووزراء جهات أخرى، ولم يصدر عن أي منهم صوت اعتراض واحد.

كما أنيطت بالهيئة أيضاً مسؤولية إقامة مشاريع السكك الحديدية والمترو، ومحطات الاستراحة وحق امتلاك أو استئجار العقارات، والمواد والمعدات، واختيار واختبار كل برامج الكمبيوتر اللازمة لأداء عملها، ومراقبة حركات كل قطاع فيها، وتحديد تعرفة النقل وفرض الرسوم، ورسم سياسة النقل في الدولة، وتنفيذ المشاريع، والإشراف على كل الأنشطة التي تقع ضمن حرم الطرق، وغير ذلك الكثير الذي لا يتسع المجال لذكره. ويكفي أن نعلم أن حجم مشاريع الطرق، قيد التنفيذ، أو التي تم الاتفاق على تنفيذها في السنوات التالية لتأسيس الهيئة، زاد على 20 مليار دولار. ولم يطل الأمر كثيراً، حيث ثبتت استحالة قيام أية جهة بإدارة هيئة بهذا الحجم، وكما حدث في رواية همنغواي «العجوز والبحر»، فقد بدأت مختلف الجهات بقضم صلاحيات الهيئة، ولم تترك لها شيئاً، خصوصاً بعد أن تجمع فساد بعض «الإخوان» وفساد البعض في وزارة الأشغال ومافيا مقاولي الطرق عليها. ولم يكن غريباً بالتالي اضطرار آخر رئيس للهيئة ونائبه إلى تقديم استقالتيهما والذهاب إلى البيت حتى قبل سماع قبولهما من الوزيرة.

ضاعت المليارات مع هيئة الطرق، والتجربة قابلة للتكرار، من دون أي شك!

ملاحظة: كشفت مقابلة الأستاذ محمد الياقوت، عضو لجنة الطرق، منذ أكثر من عشر سنوات، مع محمد الوشيحي، أن أزمة الطرق أعمق مما كنا نتصور، ولنا عودة للموضوع.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top