أعداء الفلسفة.. أعداء العقل

من الأمور المضحكة أن الكثير من فطاحلة التعليم في دولنا الخليجية والعربية، «بالذات»، يحملون شهادات دكتوراه في تخصصهم، بصرف النظر عن صحتها، لكن غالبيتهم يعارضون الخوض أو تدريس الموضوعات الجدلية كالفلسفة، وأحياناً كثيرة لا يدركون أن الشهادات التي يحملونها، يشار لها علمياً بـphd أو doctor of philosophy أو «دكتوراه فلسفة»!
***
على الرغم من قدم الفكر الفلسفي في التاريخ البشري، فإن علاقة المسلمين العرب به بدأت مع سطوع أفكار «ابن رشد» التنويرية، وانتشارها في المدارس الفكرية والفقهية. وبدلاً من تبني أفكار هذا العالم الفذ، قمنا من خلال «أبوحامد الغزالي»، وغيره من الغلاة بتكفير آرائه وحرق كتبه، ليقوم الغرب بعدها بتبنيها، وكان تبنيهم لها من أسباب نهضتهم تالياً!
***
الفلسفة هي فن أو القدرة على اكتشاف الأشياء عن طريق التفكير والسؤال. أما التفكير النقدي فهو أسلوب اتخاذ القرارات بناءً على المعايير أو القواعد التي يتم اختيارها، وغالبا ما تأتي هذه القواعد من الخبرة في التفكير، وبالتالي فإن التفكير النقدي هو جوهر الفلسفة حرفياً. وتعتبر دورات التفكير النقدي بمنزلة دورات في الفلسفة، لأنها تهدف لتطوير العمليات الفكرية المميزة للخطاب الفلسفي وإشغال التفكير فيها.

تعتبر «التحيزات الشخصية» السياسية والعقائدية وغيرها، النابعة من شخصية الفرد، من ألد أعداء الفلسفة أو التفكير النقدي، لأن هذه التحيزات تمنع التفكير النقدي، وتمنع الفرد من أن يكون عادلاً وفضوليًا ومنفتح الذهن. كما تمنعه من استخدام الخبرة والمنطق والفطرة السليمة في عملية اتخاذ القرارات، وبالتالي يبقى على وضعه، دون تقدم!
***
لم يكن غريبا بالتالي أن جامعات عدة، وبالذات في الدول الإسلامية، رفضت حتى التفكير في فتح كليات أو حتى فصول لتدريس الفلسفة أو التفكير النقدي، وكان قرار الشقيقة السعودية، مؤخرا، إدخال تدريس هذه المواد في مناهج مدارسها، أعظم من كل القرارات الأخرى التي اتخذتها في كل المجالات، والتي نالت إعجاب وثناء الكثيرين.

ويعتقد بعض أنصاف المتعلمين أن دراسة الفلسفة غير مجدية، ولا مستقبل لمن درسها في ميدان العمل، وهذا إن صح ينطبق على عشرات التخصصات «الإنسانية» الأخرى، في دولنا، وبالتالي هذا ليس عيب الفلسفة بقدر ما هو «ثقافة» مجتمع، وما به من خلل في تحديد احتياجات سوق العمل. ومؤسف أن نرى جهات تغلق أقسام الفلسفة وتقوم في الوقت نفسه بفصل الشريعة عن كلية الحقوق وتنشئ كلية مستقلة لها!

كراهية السياسيين ورجال الدين للفلسفة سببها ما يشاع من أن الفلسفة تقوم على تشجيع التفكير والشك والتجريد والتساؤل، بخلاف العقيدة التي تعتمد على الإيمان والتسليم بالغيبيات، وصولاً إلى الطمأنينة واليقين.

ورد في مقال مميز للأستاذ العراقي «عقيل عباس»، تعليقاً على قرار جامعة بغداد دمج دراسة الفلسفة في دراسة العقيدة، بأن الفلسفة، على الأغلب، ظهرت كسبيل للمعرفة وإقناع الآخرين بها. وهي مترابطة مع الديموقراطية في سياق فردانية التفكير ومحاولة الفرد إقناع الآخرين أو الجماعة أن فكرته تخدم المصلحة العامة. وفردانية التفكير هذه تمنع الفرد من أن يكون تابعاً للجماعة أو ظلاً لها، وهذا ربما ما لا يريده البعض لنا.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top