أين الشاليه؟.. أين القسيمة الصناعية؟

كما الحال مع الكثيرين، أشكر نظام دولتي الحر في تملكي لبيت وشاليه ومخازن، من أملاك الدولة، لحفظ مواد تجارتي، والتي دفعت أثمانها جميعاً، من دون استثناء، من حر مالي، عدا قرض بناء بيت حصلت عليه عام 1988، وتم إسقاط ما تبقى من قرضه، بعد التحرير، وسبق أن كتبت بعد التحرير مباشرة أن إسقاط قروض المواطنين حينها، كان قراراً خاطئاً وضاراً.

وبالتالي، لم أتسلّم من أراضي الدولة حتى سنتيمترا واحدا مجاناً، لا لاستخدامي الخاص ولا لمزاولة أنشطتي التجارية. وأي كلام أو شكوى أو مطالبة من مواطن بأن هناك سوء عدالة في توزيع الثروة صحيح وخاطئ في الوقت نفسه. فليس هناك من ناحية المبدأ والمنطق عدالة كاملة أو حتى قريبة منها في أية دولة في العالم، وخاصة عندما تكون جزءاً من العالم الثالث، فهذا وهم، وبالتالي من المضحك المطالبة به.

كما أن المنطق يقول بأن لا دولة، حتى في الخيال، يمكن أن يتملك فيها الجميع بيوتاً وشاليهات ومخازن ومزارع، واستراحات! فهذا أمر يستحيل تحقيقه، ولا يعني ذلك أن العدالة في توزيع الثروة غير مطلوبة، بل هي أساس أي نظام حكم، وأي رب عمل أو أسرة أو نشاط، ولكن ضمن قواعد محددة وشروط واضحة. فما جدوى إعطاء المواطن قسيمة تجارية إن لم يمتلك ما يكفي من مال ورغبة وفهم لبنائها وإدارتها، كي لا تصبح عالة عليه. فمن تسلّم مثلاً محلاً في أحد أسواق العاصمة، أو في مول، إن من خلال دفع قفلية أو الاشتراك في قرعة، وجد نفسه متورطاً، بعد أن تبيّن له أن ما يدفعه من أجرة يزيد عما يحصل عليه من دخل. كما أن البعض لم يخلق لأن يكون تاجراً، والتاجر غالباً لم يخلق لأن يكون مدرساً أو مهندساً.

كما أن التجارة ليست وظيفة تبدأ في التاسعة صباحاً مثلاً، وتنتهي مع انتهاء الدوام، مع إجازة مدفوعة الأجر لأكثر من شهرين كل عام، بل هي مهنة المتاعب، والعمل على مدار الساعة، 365 يوماً في السنة، ومن يزاولها معرض للإفلاس والسجن.

يعتقد البعض أن الوظيفة مهينة، خاصة عندما يكون العمل تحت إمرة مدير متسلّط. ولكن هؤلاء لا يعلمون أن التاجر يعمل أيضاً تحت إمرة مئات العملاء أو الزبائن المتسلطين، ويسعى إلى إرضائهم بشتى الطرق، ويمتص غضبهم ويستمع لشكاواهم، ويستجيب لطلباتهم. والأغلبية لا تعلم شيئاً عن معاناة التاجر وما يبذله من وقت وجهد ومال في التواصل مع المصانع العالمية، والمخاطرة في استيراد السلع المختلفة وتحمّل عبء تخزينها، والمخاطرة في الاقتراض من البنوك لتمويل تجارته وتحمّل ثقل دم الروتين الحكومي القاتل، وغيره غير معني بمعاناته، فما عليه غير التمتع بما يقوم التاجر بتوفيره له من سلع وخدمات.

إن الحقد على التاجر الذي يعمل ويتعب ويخاطر لا يحرق غير قلب صاحبه، فلكل شيء ثمنه، ولم تمنع أية جهة أياً كانت من ترك عمله الحكومي والاتجاه للعمل الخاص. وربما لم يقرأ هؤلاء الحاسدون شكوى أحد كبار المستثمرين، المحسودين، من أنه حزين ومتعب من العراقيل والروتين الحكومي وتوقف المشاريع الحكومية في دولته، وأنه مضطر للتوجه إلى التوسع جنوباً، خارج وطنه!

توقفوا عن الحسد، وتعايشوا مع الواقع، واحترموا عمل التجار الحيوي، وحاسبوا الفاسدين منهم، من دون تردد.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top