أبوزرافة وتأثير «دانينغ - كروجر»!

يقول العالم البريطاني «ستيفن هوكينك»: الجهل ليس العدو الأكبر للمعرفة، بل العدو يكمن في «وهم المعرفة»!

تصدق المقولة أعلاه على عدد من الذين يظهرون باستمرار على الفضائيات ليطربوا آذان البسطاء بسخافات توقعاتهم وتحليلاتهم المعجونة بكم من الأكاذيب التي غالبا ما تنطلي على متابعيهم المبهورين بألقابهم العلمية، الفالصو أحيانا!
***
يقول د. محمد الهاشمي؛ في موقع شفاف، بتصرف:

عندما يمتلك الإنسان معلومات سطحية وضئيلة، فإنه يميل غالبا للمبالغة في قدراته المعرفية، ويسمى هذا تأثير «دانينغ - كروجر»، أو الانحياز المعرفي لغير المؤهلين.

قام الأميركي «ماك آرثر ويلر» في أبريل ١٩٩٥ بسرقة مصرفين في مدينة «بيتسبيرج» بولاية بنسلفانيا، وفي الحالتين لم يكن يرتدي قناعاً يخفي ملامحه، بل كان يبتسم ويلوّح لكاميرات المراقبة، غير مكترث بكشف هويته!

لم يطل أمر القبض عليه طويلا، وتبين أنه كان تحت انطباع خاطئ بأنه بإمكانه إخفاء ملامحه بمجرد تلطيخ وجهه بعصير الليمون، لاعتقاده أنه يعمل كالحبر السري، أو غير المرئي، وكفيل بجعل ملامحه أو كامل رأسه غير مرئي.

ثقته بمعلوماته دفعته حتى لتهدئة وطمأنة الموظفة في البنك والطلب منها ألا تخاف من النظر إليه، فهو شخص حقيقي وله وجه مثل غيره، حتى لو لم تكن تراه!

تعجب «ويلر» عندما شاهد صورته على الشاشة، عند إجراء التحقيق معه، بعد القبض عليه، حيث حدق في مقاطع الفيديو مندهشا غير مصدق وهو يقول: لقد مسحت وجهي بعصير الليمون بطريقة جيدة، وجعلته بالفعل مخفيا!
***
إيمان «ويلر» بالتأثير القوي لعصير الليمون لفت انتباه أستاذ السيكولوجي «دايفيد دانينغ»، من جامعة كورنيل الأميركية، فقام بالاستعانة ب«جاستن كروجر»، أحد طلبته المميزين، ليساعده في إجراء سلسلة من الدراسات والتجارب الميدانية على قطاعات واسعة من البشر في عدة مدن أميركية، لمحاولة إيجاد علاقة بين الكفاءة الفكرية والثقة بالنفس فتوصلا لنتائج صادمة!

ما وجدوه، مرارا وتكرارا، من خلال عينات متفرقة من البشر، خاصة الذين يمتلكون معرفة قليلة جدا، بشكل عام، بأنهم يميلون إلى الادعاء والإيمان بكونهم خبراء في مواضيع عدة، ويفهمون الشيء الكثير، فأطلق الباحثان على الظاهرة اسميهما، «تأثير دانينغ - كروجر»، وتعني باختصار؛ إن الأشخاص الأقل معرفة يعتقدون أنهم الأكثر إطلاعا وفهما!

لذلك، عندما ترى شخصا يجادل طبيباً أو عالماً متخصصاً في مجاله، سواء حول أهمية لقاحات الكورونا، أو إيمانه بأن مرض الإيدز مجرد خدعة، وأن كروية الأرض كذبة، وأن أميركا هي التي تُفعّل الزلازل، وتقف وراء الكثير من الكوارث الطبيعية، أو الإيمان بوقوع حرب عالمية ثالثة في شهر معين، كما سبق أن تنبأ أبوزرافة، وانهيار منظومة دول مجلس التعاون الخليجي سنة ٢٠٢٠، كما سبق أن تنبأ «شايف كيف»، حينها يجب أن نتذكر أن هؤلاء يؤمنون بالفعل بأنهم يعرفون الكثير جدا، لكن معارفهم في الحقيقة اقل من ذلك بكثير، وهذا يدفعهم لادعاء العلم، وحتى التفاخر بذلك!

هؤلاء ليسوا مجانين لكنهم يعانون من «تأثير دانينغ - كروجر» وهو مرض يؤثر في العقل الجمعي للمصاب به، ويجعل آراءه السليمة منحصرة في دائرة ضيقة جدا من المعلومات.

وإلى مقال الغد.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top