القرار المتأخر.. والمستقبل المظلم

يلجأ كبار السن إلى كسب محبة أحفادهم الصغار، بحيلة الحلويات، فهي الطريقة الأكثر فاعلية، والأكثر ضرراً. وهكذا مع بعض الحكومات التي تغدق الأموال على شعوبها، لكسب ودهم، لكن هذا الحب سيختفي مع توقف الحلويات أو العطايا.
***
في ندوة «التشريعات المستقبلية وخطة التنمية 2035»، ذكر النائب عبدالوهاب العيسى أن رؤية 2035 مجرد حبر على ورق، والحكومة تعمل عكسها، وغير جادة في أي إصلاح اقتصادي. وما تلقاه من ردود من الوزيرين الشيتان والرشيد على أسئلته بمدى قدرة الحكومة على خلق نصف مليون وظيفة للكويتيين بعد 15 سنة بيّن له أنه لا الوزيرين ولا الحكومة قريبون من رؤية خطة 2035. وليس لأي طرف في الحكومة سبب أو إيمان بالخطة، أو للدفع بمدينة الحرير إلى الأمام، لأسباب جيوسياسية يطول شرحها!

وبالتالي، من الصعوبة جداً التنبؤ بالمستقبل من دون إقرار حزمة تشريعات، لكن الحكومة في واد، والشعب في واد آخر، والمجلس في واد ثالث.. إلخ، حيث نلاحظ ألا وجود للمشاريع التنموية، ولا لرؤية كويت 2035 أمام أي من لجان المجلس. فاللجنة المالية مثلاً لا تناقش إعادة هيكلة القطاع العام واقتصادنا الوطني، بل تناقش إسقاط القروض! واللجنة التعليمية لا تناقش إصلاح التعليم، لكنها تناقش زيادة مكافآت الطلبة، واللجنة الصحية لا تناقش تطوير القطاع الصحي، بل تناقش إضافة شرائح إضافية إلى تأمين عافية، ولجنة الميزانيات لا تناقش تخفيض الإنفاق الجاري وزيادة الإنفاق الرأسمالي، بل تناقش بدل الإجازات، والجهة الملامة في كل ذلك هي الحكومة التي لم تقدم التشريعات ولم تقم بقيادة عملية التشريع!

من جانب آخر، شدد الأمين العام لمجلس التخطيط الأستاذ خالد مهدي على أن هدف تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري يتطلب تحقيق شروط، منها أن يتم إسناد قيادة الاقتصاد إلى القطاع الخاص، وتنمية رأس المال البشري، وأن تكون لدينا بيئة تشريعية مشجعة للاستثمار! الحكومة في الكويت تقوم بوضع السياسات وتنظمها وتشغلها وتراقبها بنفس المؤسسات الإدارية، لذلك المشكلة إدارية! فوزارة الصحة مثلاً هي التي تضع سياسات الرعاية الصحية وتنظّم وتراقب وتشغّل القطاع، لذلك لا يمكن السير في مشاريع التنمية بسهولة، فهناك تضخّم في القطاع العام، وسوء التنفيذ، وسوء الإدارة، وفقدان الرؤية الحكومية، أفشلت عمل هذه الخطة، وشاب تنفيذها قصور، والسبب الأساسي لذلك هو عدم إسناد المسائل والمهام إلى العناصر ذات الكفاءة والخبرات.

ومن جانب آخر، قال عضو مجلس إدارة هيئة تشجيع الاستثمار الأجنبي مهند الصانع إن الاستثمار وتشجيع المستثمرين يعتمدان اعتماداً كبيراً على التنمية، وتشجيع الاستثمار وجذب المستثمر هما مشروع دولة، وهذا يتطلب وجود مؤسسات، ولكنها معطلة، وستبقى كذلك. إضافة إلى ذلك، تم إنهاك وتفريغ القطاع الخاص من دوره الفعال، ومن قوة أخذ المبادرات، والضربة التي تعرضت إليها شركة أجيليتي شكلت هاجساً للكثير من المستثمرين في القطاع الخاص.

لقد فقدنا تقريباً كل شيء، ولم يتبق لنا غير احتياطياتنا المالية الضخمة التي يمكن أن تضيع أغلبيتها، إما تدريجياً بمنح وزيادات رواتب ودعوم، وإما بفعل تقلبات أسواق المال، وانهيار أسعار الطاقة عالمياً!

في جانب آخر، قدمت الحكومة مشاريع قوانين ميزانياتها للسنة 2023 - 2024 إلى مجلس الأمة، وتضمّنت زيادات كبيرة في رواتب موظفي الدولة.

ووفقاً لمشاريع القوانين المُحالة، فإن 10 جهات لم تتجاوز الزيادة على مصروفات الباب الأول مبلغ مليون دينار لكل جهة، ومنها «هيئة الطرق»، وهيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين، وهيئة تشجيع الاستثمار المباشر. مع استمرار دعم جهات كثيرة هامشية أو لا تقوم بأي عمل منذ أكثر من سنوات.

كما قفز إجمالي المبالغ المخصصة للرواتب والدعومات بأكثر من 3 مليارات دينار، تقابلها سلباً زيادة ضخمة في تكاليف إنتاج النفط بنسبة تزيد على %20، ما يعني تضاؤلاً كبيراً على هامش أرباحنا.

كما أن وزراء النفط والمالية أعجز عن التصدي للاختلالات التي نشكو منها، أو إصلاح الاختلال في المصروفات والعمل على إيقاف الهدر في المال العام.

المستقبل غير واضح، والأمور تزداد تعقيداً، يوماً عن يوم!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top