مصر هي.. هي

لدينا مشكلة خطيرة تتعلق بالتركيبة السكانية، وعلى رأسها الأعداد الكبيرة للجاليتين المصرية والهندية، والحاجة لهما تعود لأسباب مختلفة غالبا، وأخرى متماثلة!

فكل الأعمال التي تتطلب تعاملا مع الحكومة، ومعرفة باللغة العربية، والمحاسبة والقضايا القانونية، تتطلب غالبا عربياً ليقوم بأدائها، ومواطنو الجنسية الوحيدة، التي يمكن ان تغطي هذه الحاجة، وبتكلفة معقولة هي مصر.

أما الأعمال التي تتطلب تعاملا مع الشركات المحلية والأجنبية، ومع المصارف، وتتطلب إلماما باللغة الإنكليزية، فالوعاء غالبا هو الهند، وليس بإمكان دولة اخرى سد هذه الحاجة بنفس الكفاءة والتكلفة المعقولة.

كما تشترك الجاليتان في تلبية الحاجة للأيدي العاملة نصف الماهرة أو الأقل من ذلك، للقيام بالدقيق والبسيط من الأعمال التي لا تتطلب إلماما بلغة ما، كالحراسة والنقل والزراعة وقيادة المركبات وغيرها، إضافة لحصتي الجاليتين المتساويتين تقريبا في ميدان البيع والتسويق، حسب المنتج والسوق.
***
لا يبدو من واقع الدراسات التي قامت الإدارة المركزية للإحصاء بعملها وجود مشكلة أمنية أو اجتماعية أو حتى أخلاقية مع الجالية الهندية التي يبلغ تعدادها قرابة المليون. ولكن هناك مشكلة حقيقية مع الجالية المصرية، وخاصة بين شاغلي المهن المتواضعة.

فقد بينت دراسة إدارة الإحصاء فيما يتعلق بعدد مرتكبي جنح النصب والاحتيال، وخيانة الأمانة، بين مختلف الجنسيات، بمن في ذلك «غير محددي الجنسية»، وذلك للفترة من 2013 وإلى 2020، أن عدد مرتكبي هذه الجنح هو الأعلى بين المصريين، سواء بسبب عددهم أو لأسباب أخرى لا مجال لذكرها! مع ملاحظة قلة جنح غيرهم، وبالذات الهنود، الذين يفوقون المصريين عددا بنسبة %40، ومع هذا لا تتجاوز نسب قضاياهم الخطيرة الـ%10 مقارنة بأعداد الجنح بين المصريين، وتنخفض في سنوات إلى أقل من ذلك.

مع ملاحظة تفاوت عدد جنح البدون، وقلتها النسبية، وهذا ربما يكون مؤشرا على أن أوضاعهم المعيشية والمادية ليست بذلك السوء الذي يحاول البعض تصويره!
***
من كل ذلك نجد أن لدينا مشكلة مع العدد غير المعقول لأبناء الجالية المصرية. أكتب ذلك في الوقت الذي يعمل فيه لدي عدد كبير نسبياً من المصريين. وعندما استقال أحدهم مؤخرا للعمل في جهة أخرى، بذلنا جهدا لثنيه عن ذلك لأنه كان موظفا جيدا. ولا شك لدي أبدا أن غالبية المصريين في الكويت أناس يحترمون أنفسهم ويحترمون القانون وجادون في عملهم، ولكن القلة السيئة تؤثر دائما على الأغلبية الجيدة، وهذه قاعدة.

الخلاصة، من شبه المستحيل، على قطاعات كبيرة في الحكومة والقطاع الخاص، الاستغناء عن المصريين، وإحلالهم بغيرهم من العرب. فلا دولة عربية بإمكانها سد هذه الحاجة. فما العمل إزاء هذه العلاقة المربكة والمركبة خاصة على ضوء صعوبة استمرار الوضع على ما هو عليه؟

ليس بإمكاننا، حتى لو أردنا، التخلص من كل هذا العدد الكبير من المصريين، ولا حتى نسبة %25 منهم بسهولة، خاصة في المدى القصير، فهذا بحكم الكارثة الاقتصادية والاجتماعية، سواء للكويت، وأكثر من ذلك لمصر. وبالتالي يتطلب الأمر التفكير خارج الصندوق، وهذا عمل الخبراء الأمنيين، وعلماء الاجتماع وطبقة السياسيين، ولا أنتمي لأي فريق منهم.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top