من دون ورق

أثناء أشهر الغزو السبعة، التي ملأتنا قلقاً على مستقبلنا ومصيرنا، ومصير أحبتنا، وقبل ذلك مصير وطننا، الذي داست بساطير جنود الحقير «صدام» أرضه، تشكلت في العاصمة السعودية، الرياض، لجنة من متطوعين كويتيين، وبمبادرة من السفير أحمد الفهد، للعمل على توفير العيش الكريم للمواطنين، الذي أُرغموا على الخروج من الكويت إلى السعودية، لسبب أو لآخر.
 
التأم شمل اللجنة في مكتب السفير عبدالله بشارة، الأمين العام لمجلس التعاون، حينها، وتم اختياري رئيساً، وحمد النخيلان نائباً، والذي فقدناه بعد التحرير بفترة قصيرة، وكان نعم الرجل الوفي والأمين الخلوق.

باشرت اللجنة عملها من المقصورة الملكية في ملعب الملز الكبير، فور تسلّمنا مبلغ 80 مليون دولار من حكومة المنفى في الطائف.

وأثناء انغماسنا في ترتيب طريقة صرف منحة الحكومة، بعد تحويلها إلى ريالات سعودية، وتحديد سقف المبلغ لكل فرد وأسرة، والانتهاء من تعريف الفرد والأسرة والعائلة، جاء الصديق، وعضو اللجنة، خالد المعوشرجي، وقال لي، وهو ينقر بيده على زجاج المقصورة الملكية، المطل على الملعب الكبير، مشيراً إلى منظر عشرات آلاف «المواطنين» وهم يفترشون عشبه، بانتظار تسلّمهم المعونة، بأن عددنا في اللجنة عشرة، ونحاول أن «نتوبك» عملية الصرف، أي نجعلها دقيقة، وخالية من الثغرات، لكي لا يستغلها سيئ النية.. من المواطنين! بينما يجتمع كل هؤلاء، في الطرف الآخر، ليفكر البعض منهم ويضعوا الخطط ويبحثوا عن الثغرات، لاستغلالها في التلاعب علينا وسرقة أموال الوطن الجريح، فالدولة بنظر أغلبهم ضاعت، ولهم حق في ما تبقى من أموالها!
***
لا أدري لماذا تذكرت تلك التجربة المريرة، التي سترد تفاصيلها الكاملة في كتابي القادم، وأنا منشغل قبل أيام بتوقيع كم من التعهدات والنماذج الحكومية، ودفع الرسوم الباهظة، والقيام بأعمال روتينية سخيفة، مطلوب من رئيس أكبر مؤسسة أو جمعية أو شركة صغيرة القيام بها مضطراً، وفوق ذلك الذهاب إلى دوائر الحكومة لإنهاء إقامات بعض العاملين لديه، وتضييع كم كبير من الوقت والجهد في أمور يمكن إنهاؤها بسهولة أونلاين online، وببلاش تقريباً، ومن دون الاضطرار إلى الخروج من المكتب؟!
***
تعقيد وتأخير إنهاء المعاملات في بعض الجهات كأن المقصود بهما دفع المواطن إلى «الكفر» بالنظام الإداري، واللجوء إلى الرشوة والواسطة!

ولا يمكن وقف هذه الرشوة، والفساد الإداري بغير تطوير الإدارة الحكومية.

ولا وقف المواطن، مستجدياً، أمام باب النائب، بغير تطوير الإدارة!

ولا وقف تذلل النائب أمام باب الوزير، بغير تطوير الإدارة!

ولا كسر عين وهيبة النائب في البرلمان بغير تطوير الإدارة!

ولكننا، وحكومتنا ونوابنا، ومساجدنا ومدارسنا، مشغولون بمقترحات قوانين وتشريعات عاشت شعوبنا لأكثر من ألف عام من دون أن تحتاج لها، فكيف أصبحت، في زمن المهانة والجهل، أولوية في نظر العشرات من نوابنا؟ وما العمل أمام كل هذا الكم من التخلّف الإداري والتشريعي الذي نعيشه؟

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top