«البدون».. والتعدي على سيادة الدولة

قد لا يعلم الكثير أن تكلفة أسرة من الطبقة المتوسطة، مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء، خاصة من موظفي الدولة، على المال العام تقارب مليون دينار، خلال جيل واحد، وأحياناً أكثر من ذلك بكثير!

فهناك نسبة عالية حصلت، ولا تزال تحصل، على رواتب عمل وتقاعد بآلاف الدنانير، على مدى 60 عاماً، يتجاوز مجموعها مليون دينار بكثير، هذا غير رواتب الزوجة، والأبناء والبنات، قبل الزواج، وعلاوة الخمسين ديناراً لكل طفل، هذا غير دعم البطالة، ودعم العمالة لمن يعمل في القطاع الخاص (750 ديناراً)، ومساعدات ربّات البيوت (600 دينار) ومخصصات الابن المعاق (600 دينار) ومنحة لمن يرعى معاقاً، ورعاية المسنين، وتأمين عافية، داخل الكويت وخارجها، وبدل إيجار، ومنح الزواج 6000 دينار، وقرض السكن (70.000 د.ك) وقرض الترميم، ودعم مواد البناء والوقود والكهرباء والماء، والتعليم المجاني حتى شهادة الدكتوراه، والطبابة والأدوية المجانية، وإعانة الطالب الجامعي، وغير ذلك من منح وإجازات ومكافآت، غير منحة الأرض السكنية، مجاناً تقريباً، وجميعها تكلف المال العام مبالغ ضخمة للأسرة الواحدة لا تجد لها مثيلاً في أية دولة!

من كل ذلك نرى أن الجنسية الكويتية مكلفة بالفعل، وإضافة عشرة أو عشرين ألف أسرة جديدة للمواطنين الحاليين ليست بالقرار السهل، في ظل تآكل موارد الدولة، والانخفاض المتوقع في أسعار البترول.
***
تعاني كل دول العالم، حتى تلك الغنية، مشكلة المقيمين بصورة غير قانونية، والكويت ليست استثناء، بل هي الأفضل والأكثر عدالة وكرماً في التعامل معهم، فلا دولة تعاملت مع «البدون» كما فعلت الكويت، التي ساوتهم مع المواطن في كل شيء عدا الحقوق السياسية وحق التملك. ولو لم يتوفر جهاز متابعة ومعالجة وضع «البدون»، لكان الوضع أخطر من ذلك بكثير، علماً بأن صغر حجمنا، مساحة وسكاناً، وحساسية تركيبتنا السكانية ـ تجعلنا أكثر حذراً. وبالتالي من الخطورة تسليم قضية «البدون» لمجلس الأمة، فلكل عضو أهواء ورغبات، قد تدفعه في هذا الاتجاه، أو الآخر، ومن الأفضل بالتالي بقاء القضية بيد جهة محايدة، كالجهاز المركزي، بإشراف الأخ الفاضل صالح الفضالة.
***
لا أختلف مع التوجهات الإنسانية لبعض المدافعين عن قضية «البدون»، والمطالبين بإنصافهم، ولكن الحقيقة أن ليس كل من حمل إحصاء 1965 صادقاً في «عدم انتمائه»، أو لا يخفي جنسيته الحقيقية. كما ليس من الصحيح القول إن من نعرف جنسيته يمكن أن نطالب حكومته بتسلمه، فالكل تقريباً يعرف مدى صعوبة فرض هذا الأمر على أنظمة دول المنطقة، ومطالبتهم بأخذ مواطنيهم!

أما السخرية من «ورقة من هنا وقصاصة من هناك»، لإثبات حقيقة أصول البعض، فهي غير مقبولة من الساخرين، فهذه القصاصات، من شهادات دراسة ومخالفات مرور، وشهادات ميلاد، وعقود إيجار، هي التي «أسكت» بها «الجهاز»، بالبرهان القاطع، صوت وحجة كل مدعٍ بانتمائه للكويت، أو البادية، فـ«دفتر نزال الرشيدي» الذي كان يدون فيه صاحبه أسماء سكان البادية، لأغراض الضريبة والزكاة، دليل دامغ، وليس قصاصة ورقية!
***
لسنا أكثر وطنية من غيرنا، ولا أكثر غيرة على هُوية الوطن، ولا أقل رغبة في إنهاء قضية «البدون» وإغلاق هذا الملف، فقد أتعبنا وأتعبهم. ولكن علينا أن ندرك أن التسوية لا يمكن أن تتم من خلال تلبية الرغبات والأهواء، بل وفق قوانين الدولة، التي تتمثل في البيانات الرسمية والموثقة لدى الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع «البدون» وليس لدى أية جهة أخرى.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top