الوزير والكآبة

اشتريت عام 1966 سيارة موستانك، بسقف قماش، وكانت الوحيدة من نوعها في الكويت.
 
عُيّنت بعدها بفترة قصيرة مديرا لفرع البنك الذي كنت أعمل به، في منطقة جليب الشيوخ.

كان الوصول للمنطقة متعبا لبعدها وكثرة الحفر في طرقها، ولا أعتقد أن الأمر اختلف كثيرا بعد 56 عاما.

كانت الموستانك لعبتي، وسيارتي المفضلة، والثانية بعد الفولكس واغن، وكنت حريصا في المحافظة عليها من أي خدش. لذا أجبرت نفسي على حفظ مواقع كل حفر طرقاتي، وبالذات أثناء ذهابي للعمل في فرع الجليب.

في يوم شبيه بطقس هذه الأيام هطلت أمطار غزيرة في الليلة السابقة، وقبل وصولي للفرع، متأخرا لأكثر من ساعة، اكتشفت أن الأمطار غطت غالبية الحفر، بحيث أصبح من الصعوبة معرفة مواقعها، وتجنبها. فتوقفت حائرا على جانب الطريق، فمرت بجانبي سيارة أجرة، وظننت أن سائقها، الذي يعمل على الخط نفسه طوال اليوم، ربما مر على ذلك الطريق عدة مرات، وحفظ مواقع الحفر، وما علي غير أن أتبعه، وسيوفر علي مشقة الوقوع فيها!

كنت على خطأ، فالبعض لا يتعلم، لا من أخطائه، ولا من أخطاء من سبقوه، فقد أوقعني «السائق ابن... المنطقة» في كل حفرة بلا استثناء، وناله مني كمْ من الشتائم، ندمت عليها تاليا، لأن الذنب ليس ذنبه، فهذا طبعه، لكنه ذنبي لأني وضعت ثقتي به، وكان لتلك التجربة تأثيرها تاليا على حياتي!

يقولون: إن خدعك شخص مرة، فهو لا يستحق الاحترام.

وإن خدعك ثانية، فهو لا شك محتال!

وإن خدعك للمرة الثالثة، فالعيب فيك، ولا علاقة له بالأمر!
***
للمرة العشرين أو الثلاثين، نكتشف، على مدى السنوات العشرين الأخيرة، على الأقل، أن بعض من تم اختيارهم كوزراء، أو من في حكمهم، أو كوكلاء أو مديرين، افتقدوا لشرط أو أكثر من شروط التعيين في الوظائف العليا، سواء ما تعلق بصحة شهاداتهم الجامعية أو ما فوقها، أو أن عليهم أحكاما مخلة بالشرف، أو أنهم بانتظار صدور أحكام قد تمنع تقلدهم وظائف عامة، وغير ذلك من معوقات!

كان السبب غالبا وراء تلك الاختيارات الخاطئة الثقة غير المبررة بتوصيات «المستشارين»، والثقة الكبيرة غير المبررة أيضا، بـ«ادعاءات» المرشحين وشهاداتهم، دون بحث ولا تمحيص. كما أن اختيار القيادات كان، وربما لا يزال، يتم في الساعات الأخيرة من صدور المرسوم، فتحدث الأخطاء، بسبب العجلة. وقد وضعت هذه الأخطاء، غير المقصودة غالبا، الحكومات في مواقف محرجة جدا، وطبعا لم يحاسب أحدٌ يوما على خطأ التوصية!!

لتجنب هذه المواقف، البايخة بالفعل، يتطلب الأمر تطبيق القواعد والإجراءات المعتمدة في ديوان الخدمة المدنية فيما يتعلق باختيار القيادات العليا، والتي ورد ذكرها في السؤال البرلماني الذي توجهت به النائبة جنان بوشهري. وما على السلطات مستقبلا غير تطبيقها، لتخلي نفسها من أية مسؤولية مستقبلا، ولا تضطر للتراجع كلما تبين وجود خطأ أو عيب في تعيين وزير أو وكيل!

لقد سئمنا بالفعل من سوء الاختيار والتراجع عنه. ولو كنت مكان أي من أولئك الذين تم تعيينهم في مناصبهم، بحق أو بغير ذلك، وتلقوا التبريكات من الأهل والأصحاب، ورتبوا أمورهم على أساس ذلك التعيين، وتخلوا عن بعض أعمالهم، ثم تبين لهم بعد بضعة أيام أو أسابيع أن تعيينهم غير صحيح، أو سليم لأصبت بكآبة دائمة!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top