خير أمة طه حسين

ينسب للمفكر الكبير «طه حسين» قوله: «إن الأمة التي تحارب الفقر بالدعاء وتحارب الجهل بالمناهج الدينية وتحارب التخلف بالفتاوى وتحارب الفساد بخطب المنابر وتحارب انقسام المجتمع بالمذهبية والتكفير، وتحارب البطالة بالزواج والإنجاب.. هي أمة ميتة، وإكرام الميت دفنه»!
***
أمة الفقر تنجب بلا تفكير، وتتناسل بعشوائية، لتنجب ضحايا أكثر ومساكين أكثر، والكل متسلح بمقولة يولدون وأرزاقهم معهم، ولكني لم أر غير التشرد والبطالة وجوعى ومشردين وعراة وحفاة، وكمّاً من خريجي السجون وملايين من نزلاء المعتقلات. لذا لم يكن صعبا معرفة سبب فشل أمة المليار ونصف المليار في كل مجال تقريبا، فنحن لدينا، كما ورد في رسالة مجهولة المصدر، جامعات قديمة وعريقة مثل الزيتونة والأزهر، وحوزات النجف وقم وكربلاء وعشرات المؤسسات الدينية المماثلة لها، هذا غير مئات آلاف المدارس الدينية التي تدرّس فيها سنويا مليارات حصص التربية الإسلامية، التي يقدمها مئات آلاف مدرسي الدين، هذا غير مليارات الساعات من البث الإذاعي الديني والتلفزيوني وخطب الجمعة، ودروس الوعظ والإرشاد، ومع هذا لا توجد دولة مسلمة ناجحة، مع استثنائين معروفي السبب. كما لا توجد دولة مسلمة ديموقراطية، بخلاف حالتين أو ثلاث، وأغلبها تفتقد القضاء العادل، وحقوق الإنسان، لكنها تشتهر بتعدد سجونها، وما يجري فيها من «إهانة للكرامة الإنسانية»!

كما انفردنا عن دول العالم برفضنا جميعا الموافقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بغير تحفظ. ولا تشتهر أي من دولنا بكونها ملاذا لطالبي اللجوء، بعد أن سحقنا عظام لبنان، كدولة لجوء، وتحولنا جميعا لباحثين عن اللجوء.

كما لا توجد بيننا دولة تحرم عقوبة الإعدام، أو تعطي الأقليات كامل حقوقها، أو تسمح لها بممارسة شعائرها بحرية. كما لا تأثير لنا دوليا، إلا عندما يصاب العالم بأزمة نفطية!

ومن ناحية أخرى فإننا أكثر الدول تساهلا مع الكذب، ونسميه «ملح الرجال»، تحببا! وحتى بائع البطيخ على استعداد لأن يحلف بأغلظ الأيمان بأنها حمراء، وهي عكس ذلك.

كما لا توجد دولة مسلمة تنتج طعامها ولباسها ودواءها، ولا توجد دولة نووية حقيقية باستثناء باكستان، التي تعيش بقلق وهي مصدر قلق أيضا للعالم.

كما أن غالبية المبتعثين للدراسة في دول غير مسلمة، هم من سكان الدول المسلمة، ومع هذا يلعن الأخيرون بلدان مدرسيهم، كما أن جميع الدول المسلمة طائفية وعنصرية، ومتحيزة، ولا يعيش أي من شعوبها براحة وسعادة، والقلة التي تعيش براحة تفتقد السعادة، وجميعها تستخدم منتجات الدول الأخرى وتشتم مخترعيها ومنتجيها بسبب الشعور الكاذب بـ«التفوق الأخلاقي» عليهم، ومع هذا ينتشر فيها عمل الأطفال، وتفتقد فيها أنظمة الضمان الصحي أو الاجتماعي! وبالرغم من انتشار الفساد فيها، إلا أنها تفخر بعدم تناول شعوبها لحم الخنزير، ومع هذا تعلم جيدا أن مئات المنتجات التي تستعملها أو تستهلكها بها الشيء الكثير منه!

وعندما تستيقظ فجرا وتسمع صوت الأذان يصدح من عشرات المساجد حولك، تعتقد أنك في مدن الفضيلة، ومع هذا لا يمكنك شراء نصف كيلو من اللحم فيها.. دون غش!

وأخيرا نحن الأمة الوحيدة تقريبا التي يعتبر فيها وضع الأقليات غير المسلمة أفضل من وضع الأغلبية. في الوقت الذي يعتبر فيه وضع المسلمين كأقلية في الدول الأخرى أكثر سوءا من غيرهم!
***
يرد البعض بأننا لسنا وحدنا الذين نشكو من كل هذه «البلاوي»، وهذا صحيح، ولكن لم تتشدق أي منها يوما بتاريخها التليد ومجدها الحميد، وإنها أرض الأديان وخير الأمم!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top