رقائق أشباه الموصلات

أسس موريس شانك شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، taiwan semiconductor manufacturing co. (tsmc)، عام 1987، وبلغ عدد موظفيها أخيراً أكثر من 66 ألفاً، وحققت مبيعات بلغت 17 مليار دولار، وتسيطر على %54 من سوق الرقائق العالمي، وعلى %90 من أنواعها العالية الجودة، كما حققت في الربع الأول من هذا العام ارتفاعاً في أرباحها بلغ حوالي %76.
تستعمل الشيبس أو أشباه الموصلات في كل الهواتف النقالة والمركبات والمحركات والأجهزة الإلكترونية، المدنية والعسكرية، ومئات السلع الدقيقة الأخرى، خصوصاً الروبوتس، وتسبب النقص العالمي في إنتاجها أخيراً في توقف آلاف المصانع عن الإنتاج، ابتداء من لعب الأطفال، مروراً بمختلف المركبات، وصولاً إلى أكثر الطائرات الحربية والمدنية تقدماً!

 حظيت tsmc بسمعتها العالمية، ليس لضخامة إنتاجها فقط، بل لقدرتها أيضاً على إنتاج أفضل أنواع الرقائق البالغة الصغر، التي تتراوح سماكتها بين ميكرونين ونانومترين. (النانو تعني واحداً من المليار من المتر)، ويصعب جداً تخيل مدى صغر ذلك، فسمك الورقة مثلاً يبلغ حوالي 100 ألف نانومتر، فكيف بمليار؟ وهذه لا يمكن غالباً إنتاجها من دون تكنولوجيا أوروبية وأميركية، ولهذا السبب وغيره تحرص أميركا على إبقاء تايوان، المنتج الأكبر، خارج سيطرة الصين المباشرة.
***
كيف تسنى لمثل هذه الشركة التايوانية الوصول إلى هذا المستوى وهذا الاحتكار في إنتاج هذه المادة الخطيرة في أهميتها في عالم الصناعة والسلاح المتقدم؟ وما أسباب النقص الكبير الذي حدث أخيراً في إنتاج هذه الرقائق، التي لا يمكن أن تستغني عنها أية دولة صناعية؟
***
تركز الصناعة في تايوان هو نتاج العولمة، التي شعر العالم أخيراً بمدى خطورتها عندما تبدلت الموازين والتحالفات، كمثال الخطأ الذي وقعت فيه ألمانيا، ودول أوروبية أخرى، باعتمادها الكلي تقريباً على الغاز الروسي، يوم كانت روسيا صديقة.

لم يأت اختيار تايوان عبثاً، بل بسبب تقدمها الصناعي، وتوافر مواد هذه الصناعة الدقيقة فيها أو في الدول المجاورة، وتوافر المهارات البشرية الرخيصة الأجر، فتقرر اعتماد العالم المتقدم على مصانع تايوان واليابان لإنتاج هذه المادة الحيوية. وتحسباً لأية تغيرات أو مخاطر قامت هذه الشركة وغيرها أخيراً بضخ مئات مليارات الدولارات لتطوير هذه الصناعة الحيوية في الأراضي الأميركية.

كما كان للسياسات المتشددة لمكافحة كورونا التي اتبعتها الدول المنتجة، ولا يزال بعضها سارياً، أثر سلبي في إنتاج هذه الرقائق بسبب الإغلاق المستمر لمصانع الإنتاج، وتزامن كل ذلك مع تصاعد التحديات الجيوسياسية بين الصين وتايوان، مما أثر في المنظومة الصناعية العسكرية الأميركية. كما كان لتعطّل سلسلة التوريد supply chain أثناء «كورونا» دور في نقص إنتاج الرقائق عالمياً.
***
على الرغم من أن الأنواع العادية من أشباه الموصلات، التي تستخدم في معظم الأجهزة، تصنع في الصين وحتى روسيا ومناطق أخرى، فإن أنواعها العالية الأداء المطلوبة للاستخدامات الأقوى ينحصر إنتاجها في تايوان، كما تنتج هولندا أجزاء حيوية منها. وكان للحرب الباردة التي شنتها أميركا على شركة هواوي، وما مارسته من ضغط على تايوان لمنعها من بيع منتجاتها للشركة، أثر في قيام الصين ببذل جهود كبيرة للحاق بتايوان في عالم الموصلات، فقد تراجعت مكانة هواوي مثلاً نتيجة حظر أميركا بيعها الأنواع المتطورة من هذه الرقائق الحيوية!
***
ملاحظة: ورد في مقال أول من أمس ما كان للنائب السابق أحمد الفضل من دور في إزالة اللافتات المخالفة على مباني مركز «وذكّر»!

بيّن لي صديق أن الفضل يعود أيضاً إلى النائب السابق خالد الشطي، فمعذرة عن هذا السهو!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top