لم يتبقَّ غير حرق الأصابع

وصلتني رسالة من صديق يمدح فيها ما ذكرته في مقال أخير، كتبته عن تصرفات بعض رجال الدين، ووصف المقال بالرائع، قبل أن يستدرك قائلاً إنه لاحظ في كتاباتي المتعلقة بالخطاب الديني تركيزي الدائم على طرف، أو طائفة، دون غيرها، وأنني في مقالي الأخير تكلمت عن التشدد الديني بشكل عام، ثم قمت بالتركيز على «بن خميس»، وخطابه المتشدد، ولم أقم مثلاً بضرب مثال مشابه من الطرف الآخر، ويقصد الشيعي، لكي يكون هناك توازن، وبالتالي أسكت من يعارضونني!
أشكر الصديق على ملاحظته، التي ستتيح لي توضيح موقفي، للمرة الأخيرة، كما أتمنى، من هذه المسألة، التي يراها البعض ذات حساسية، ولا تعني لي في الحقيقة الشيء الكثير!
***
من المفترض، بصفتي مؤمناً بالعلمانية ومتجرّداً من الطائفية، وأحتفظ بمسافة واحدة من كل المعتقدات والطوائف، أنني غير ملزم، مثلي مثل الكثيرين غيري، بالموازنة بين الطوائف في ما أكتب، أي أن أهاجم أو أنتقد رجل دين من هذا الفريق، مقابل آخر من الفريق الثاني، أي أن أهاجم شيعياً كلما هاجمت سنياً، لكي ترضى عني فئة من القراء، أو من يعادونني، أو يتهمونني بالعنصرية أو الطائفية، من مُخالفين لي، وما أكثرهم!

لعلم الصديق، هؤلاء غالباً، لن يقتنعوا بصدق مواقفي أو حججي حتى لو أحرقت لهم أطراف أصابعي في ساحة الإرادة، وأمام وسائل الإعلام، وسيأتون بطلبات أخرى، ولن ننتهي، ولن أنجح في إثبات تجردي!

لا أشعر في داخلي بأنني أختلف أبداً عن غيري في ما يتعلق بحقي في اختيار من أود الكتابة عنه أو انتقاده، وبالتالي لست ملزماً بتوخي «الموازنة» ووضع حساب لبقية الطوائف والجماعات والقبائل.

والشيء ذاته ينطبق على المدح والإطراء، فهل إن كلتُ المدح لهذا الطرف، عليّ، في الوقت نفسه، كيل المدح للطرف الآخر؟

أعتقد أن المسألة سخيفة ولا تستحق استطراداً أكثر.

أما في ما يتعلق بما يراه البعض، أو يعتقده، بأنني أكتب عن أو أكشف هفوات أو مواقف رجال الدين السنة، بقدر أكبر من كشف هفوات رجال الدين الشيعة، فهذا أمر طبيعي، وأقوم بذلك لأسباب أجدها منطقية ومبدئية!

فنسبة المواطنين السنة في المجتمع أكبر بأضعاف مضاعفة من غيرهم، ومن الطبيعي بالتالي أن يكون نصيبهم من الكتابة، قدحاً أو مدحاً، أكثر من غيرهم.

كما أن العاملين في مجال الدعوة والخطابة والتأثير في عقلية الجماهير من السنة أكبر عدداً وأكثر خطراً، بنظري، على الدولة والمجتمع من الطرف الشيعي، وأكثر استحقاقاً للكتابة عنهم والتحذير من خطرهم. كما أن «الخطر الشيعي» يمكن احتواؤه بسهولة نسبية، وارتباطاته مع الخارج عاطفية، مقارنة بخطر الطرف الآخر، الذي يمتلك في الداخل عمقاً جماهيرياً واضحاً، طائفياً وقبلياً.

كما أن الأحزاب الشيعية، غير الرسمية، ضعيفة البنية، عدداً ومادة، ولا تشكل بنظري خطراً على الدولة والنظام، إن لم تكن موالية له، بخلاف أحزاب وقوى الطرف الآخر، من سلف وإخوان، وحقيقة ولائهم، وما يشكلونه من خطر إرهابي، كونهم يمثلون تنظيمات خارجية متطرفة، وشعارات بعضهم تشي بحقيقة نواياهم!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top