محنة المستشار

لم يكن بيني وبين المستشار النائب العام السابق ضرار العسعوسي يوماً أي اتصال أو مودة أو خلاف، وبالتالي سأكون منصفاً في كلامي، قدر المستطاع.
ترأس المستشار جهاز النيابة العامة في يناير 2012، وفي أخطر مرحلة من عهد الشيخ صباح الأحمد، وأُوكلت إليه ملفات قضايا سياسية مهمة لم يكن التدخل فيها غريباً، بحكم ظروف تلك المرحلة، والنفسية العامة حينها، فنحن جزء من العالم الثالث، والأمور نسبية في كل الظروف، والحكم على أي كان يكون من مجمل أفعاله، وليس من خلال تصرف معين! وبالتالي يمكن القول بتجرد إن الرجل أدار ملفات قضايا أمنية حساسة باقتدار، وكان مثالاً في الصلابة والالتزام، ولم يكن غريباً أنه كسب أعداء، أكثر مما كوَّن صداقات، فطبيعة مجتمعاتنا تقول ذلك! فلو تمحَّصنا في خلفيات من كانوا وراء بعض الرسائل التي هاجمت، أو شمتت في شخص النائب العام السابق، لربما قلنا إن الرجل يكفيه فخراً هجوم هؤلاء عليه، وإنه كان غالباً على حقٍّ!
***
تذكرت، وأنا أقرأ كتاب استقالة الأستاذ العسعوسي، مثلاً إنكليزياً بذيئاً نوعاً ما، يتعلق بإجبار الموظف العام، وبطريقة أقرب للإهانة، لقبول الترقي في عمله، صورياً، لمنصب يبدو أعلى، ولكن أقل نفوذاً وأهمية. وأحسست من فوري أن في الأمر شيئاً ما. صدق حدسي بعد ساعة، بعد أن رفض المعنيُّ بالأمر النقل أو الترقية، وطلب في خطاب غير مسبوق إحالته إلى التقاعد، لما تضمنه قرار «ترفيعه»، نصاً وأسلوباً، من إساءة! لكن «الحكومة» رأت الإمعان في الإساءة وقبلت استقالته بأثرٍ فوري، وربما كان قبولها هو الأسرع في تاريخ الكويت، والأكثر إساءة لشاغلي المناصب الحساسة، خاصة أن قرار «الترفيع» أو الإقالة جرى والرجل في إجازة رسمية، ولم يكن هناك ما يمنع عودته، قبل اتخاذ ذلك القرار!
***
ليس هناك من يعترض على تغيير الدماء في المناصب العليا للدولة، فقد طال انتظارنا لذلك، خاصة بعد أن فشلت غالبيتها في محاربة الفساد في إداراتها، أو النجاح في تطويرها. فمنذ ربع قرن ونحن نتحدث عن الحكومة الإلكترونية، ولم نرَ منها شيئاً غير بعض التطوير، والفضل لوباء الكورونا!
***
إعفاء المستشار العسعوسي من منصبه المرموق، وفي غيابه، رسالة لكل مخلص بأن إخلاصه لن يحميه من الإساءة، وأن عليه «الاهتمام بنفسه»، أولاً وأخيراً. وما اتُّبع معه كان من السهل تجنُّبُه، فهو لم يكن بذلك السوء ليتم التخلص منه قبل أن يُحدِث تخريباً أكثر.

كما أن إقالته دفعت «نواباً» للإساءة لكل شاغلٍ لذلك المنصب، والتطاول عليه، وكأنَّ من يشغله يقف وراء كل ما نعانيه من تخلف وتأخر وفساد! ولست هنا في وارد «تنزيه» النائب العام السابق ولا الدفاع عن سيرته، ولكن كيف يمكن الحكم على ماضيه بغير تحقيق. وهل ستكون أمورنا الآن أفضل، خاصة أن من تجرأ على التشكيك بعمله سيستمر في ذلك، إلى أن ينال ما يطالب به!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top