وسقط عمران

تعتبر باكستان، على وجه اليقين وليس التخمين، واحدة من أصعب دول العالم حكماً، لتعدد أعراق مكوناتها، وفقر الدولة في الموارد، وتعدد قبائلها وما تمتاز به من قوة عسكرية شبه مستقلة عن الحكومة المركزية، وتشكل بعضها حكومات قائمة بذاتها في مناطقها ولها أعرافها وتقاليدها، التي غالباً لا علاقة لها بالمنطق أو الدين أو الأخلاق! كما تعتبر باكستان دولة متشددة دينياً أكثر من أية دولة إسلامية، بل ولها «تخريجاتها الخاصة»، حيث ينتشر فيها، وخاصة بين الأسر الغنية بالأراضي الزراعية مثلا «زواج القرآن»، أي أن تقوم الأسرة بتزويج ابنتها للقرآن، من خلال حفل ديني كبير، لتبقى عزباء بقية حياتها، ولا يذهب نصيبها من الميراث لغريب عن الأسرة. كما تسمح تقاليد بعض قبائلها مثلا بالاغتصاب العلني، إن تجرأت امرأة وكونت علاقة مع رجل من طبقة اجتماعية أعلى، وغير ذلك من فلتات دينية. كما تعتبر باكستان الأكبر في عمليات الاغتيال الدينية، وفي عمليات التفجير الانتحارية التي يقوم بها متشددون سنّة في مساجد الشيعة، أو الشيعة في مساجد السنّة!
***

سمعت وقرأت عن «عمران نيازي خان» منذ سنوات معيشتي في لندن، في الثمانينات، حيث كان نجماً تظهر صوره على الصفحات الأولى من صحف التابلويد، أو الفضائح، فقد كان playboy، وكانت له علاقات مع ليزا كامبل، وسوزانا قسطنطين، إيما سيرجينت، وغيرهن، واكتسب شهرته كونه أحد أشهر لاعبي الكريكيت، وبعد أن أصبح كابتن فريق بلاده في اللعبة، محققاً لوطنه الفوز الوحيد في تاريخه، ولكن لحقت به تالياً فضائح عدة، نتيجة اعترافاته، تتعلق بتلاعبه بكرة الكريكيت بشكل غير أخلاقي! كما ارتبط اسمه لفترة قصيرة جداً بالأميرة ديانا، قبل أن يعقد قرانه على سيدة المجتمع الإنكليزية جيميما جولد سميث، عام 1995 ليفترقا بعد 9 سنوات، بعد أن تبين لها أن عمران «إنكلترا»، ليس عمران «باكستان»! كما حكمت محكمة أميركية بصحة بنوته لابنة من علاقة مع سيدة مجتمع بريطانية أخرى، ارتبط بها لفترة، لكنه لم يعترف بالحكم!

بعد تقاعد عمران من اللعبة أخذ بكتابة مقالات رأي في صحف متنوعة؛ إنكليزية وآسيوية، وركز جهوده على العمل الخيري والاجتماعي، وروج لنفسه من خلال تلك الأعمال، وبدأ معارضاً لسياسيي ذلك الوقت من أمثال برويز مشرف، وآصف زرداري، كما كان معارضاً للسياسة الأميركية والبريطانية. كما اشتهر عنه تعاطفه المبكر مع حركة طالبان وأيد صعودها السريع.

أسس عمران حزبه السياسي عام 1996، معارضاً للغرب. وبعد أن أصبح نائباً في البرلمان صوت لمصلحة مرشح إسلامي في سعيه ليكون الرئيس، وكان يدعو لشن الحرب المقدسة ضد أميركا، وكان موالياً لحركة طالبان، متجنباً اختيار الجنرال مشرّف للمنصب.

لم يعتبر الكثيرون عمران خان سياسياً جاداً، فالجماهير كانت تنجذب إليه كونه بطل كريكيت شهيراً، ولكن لا يعني ذلك شيئاً في بلد يصعب حكمه من دون قبول الجيش والقبائل لأي مرشح، دع عنك قبول القوى الكبرى به. كما يفتقر عمران لقوة المراس التي اشتهر بها غالبية منافسيه الآخرين. وما محاولة فرضه الحجاب الكامل على زوجته إلا بعض من محاولاته البائسة لكسب الغوغاء لصفه!

بالرغم من ادعاء عمران بتمسكه الديني إلا أنه لم يمتلك يوماً المصداقية في المواقف، فقد وقف بقوة مع سياسيين، ثم انقلب عليهم وهاجمهم، ليعود ويؤيدهم ثانية، وهذا ما فعله مع نواز شريف ومشرف وغيرهم. ويصفه أحد المعلقين الكبار بالتالي: بينما هو في باكستان يرتدي الثياب التقليدية الباكستانية يعظ ويتحلى بالقيم الدينية، فإنه يتحول كلية عندما يكون جنباً إلى جنب مع النخبة في بريطانيا وأماكن أخرى في الغرب!!

كما وصفه كاتب العمود السياسي البارز «أعظم خليل» بأنه واحد من الفاشلين كلياً في سياسة باكستان. وأن عمران خان غير اتجاهه السياسي مراراً وتكراراً، وليست له في الوقت الحاضر طريقة في التفكير، ولهذا لم تحمله الأغلبية الساحقة من الشعب على محمل الجد.

الارشيف

Back to Top