نساء الإخوان!

بيَّنا في مقال سابق أن من نتائج المؤتمر الوطني الذي عُقد في مدينة جدة السعودية، في أكتوبر 1990، في ذروة احتلال صدام الحقير للكويت، ترسُّخ التحالف «الخفي والقوي» الذي كان بين الحكومة من جهة، وجماعة الإخوان المسلمين، من جهة أخرى، خاصة بعد وقوف الإخوان مع رئيس الحكومة ضد مطالب القوى «الوطنية» حينها، وتأييدهم العلني للحكم واستقراره، ولو ظاهريا طبعا، ووقوفهم ضد التوسع في «منح» الحريات، مع مطالبتهم الإكثار من التشدد الديني، من خلال تطبيق الشريعة في مختلف مناحي الحياة، وهذا ربما ما وجد هوى في نفوس البعض فتمت مكافأتهم، وحزبهم تاليا، فجنوا ثمراته المحرمة بعد التحرير، وحتى اليوم. كما بيَّنا كيف استثمرت تلك القوى الدينية التقليدية ذلك التعاطف، أو «الحلف القوي الخفي»، في تجذير نفوذها، وكيف نجحت، خلال الثلاثين عاما الماضية، في التسلل لغالبية، إن لم يكن لكل مرافق الدولة ومؤسساتها، وحصلت على تراخيص تأسيس عشرات الجمعيات «الخيرية»، واضعافها من الفروع، التي تتبع جميعها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والتي كان دورها جمع مليارات الدولارات لهم، خاصة بعد التحرير مباشرة وحتى وقوع احداث 11 سبتمبر 2011، التي كانت فيها الرقابة الحكومية على «جمع الأموال» معدومة تقريبا.
لا تتسع المساحة هنا لسرد كامل ما حصل عليه الإخوان من أموال ونفوذ نتيجة تحالفهم مع الحكومات المتعاقبة، ليس اقلها فتح أبواب المدارس والمولات ووسائل الإعلام الرسمية أمامهم، وآخرها «تمكين» من يمثلهم في الظهور لساعة واحدة ربما خلال كامل شهر رمضان على تلفزيون الدولة، للإجابة على أسئلة المشاهدين، مقابل حصوله على أكثر من 4000 دينار يوميا، وهو مبلغ لا يحصل عليه أساتذة جامعيون ولا علماء في معهد الأبحاث أو مهندسون مميزون في أي جهة حكومية، لقاء العمل لثمان أو تسع ساعات لثلاثين يوما!!

ولم تكتف وزارة الإعلام بذلك، بل صرفت أيضا مبلغا ضخما آخر، وفي سابقة غريبة، للترويج لبرنامج الداعية، الذي لا يتضمن أي إبداع أو تجديد!
ما يحدث هو احتقار للعلم والعلماء، وتعلية من شأن الدولة الدينية!

***
وفي جانب آخر من «عروض القوة»، قامت الأحزاب الدينية، المؤدلجة، بجمع أعداد كبيرة نسبيا من السيدات في ساحة المسجد الكبير وفي القاعة المؤقتة الملحقة بها، لأداء الصلوات، للدلالة على تدين المجتمع، وهو واقع معروف ولم يكن يتطلب مثل هذه التمثيلية، ولكن حضورهن لم يمثل يوما «الأغلبية الساحقة»، كما روج بعض «أذناب الإخوان» المتسترين، ولا يعتبر تجمعهن ردا حضاريا على مسلسلات يعتبرونها هابطة، فالرد ليس برفع الصوت، بل بالترويج لدراسة المنطق وتعليم الحميد من الأخلاق، وليس بالتدين السياسي. كما ان الربط بين عدد النساء المصليات وبعض الظواهر أمر مضحك، ووصف الأمر بـ«الفطرة» ضحك آخر على العقول!

كما لم يساهم هذا الحضور الذي لم يتجاوز ألف امرأة، ربما، في تغيير وضعها الأخلاقي البائس، ولا في تقدمنا، حضاريا وعلميا واخلاقيا، بل زاد من الجرعة الدينية في المجتمع، ولا شيء غير ذلك. ونظرة على مستوى التزام موظفي الحكومة، ذكورا وإناثا، بالعمل في رمضان خير جواب!!
***
ملاحظة: نشكر وزارة الداخلية تدخلها ووقف مسيرة «التطبير»، التي كان البعض يزمع إقامتها، والتي كان سيستغلها حتما بعض نواب الكوبة للإساءة للمكون الشيعي في المجتمع!

الارشيف

Back to Top