أنا والرجل البشوش

غيب الموت ‏عالم الفلك الكويتي صالح العجيري عن عمر تجاوز المئة.
غرّد الصديق والمحامي القدير عماد السيف بكلمات الرثاء المعبرة التالية:

«وكأن الكويت اقتطعت قطعة من قلبها برحيل الفلكي الفذ العم صالح العجيري، العالم الذي سبق عصر وطنه وبيئته وأسس لعلم كان (غيبياً) لكل المنطقة. رحل الأب العطوف وعنوان الطرفة، وينبوع الحنان ومفخرة التواضع، وصنوان العطاء الوطني».
***
تعرفت على العم صالح قبل ما يقارب الستين عاماً، عندما كان يتعامل مع المصرف الذي كنت أعمل به. كانت ابتسامته الأبوية الطيبة تسبقه وهو يقدم لي معاملات شركته كي أنهيها، وكانت الشركة متخصصة في التنظيف، يديرها مع وافد مقيم. وبالرغم من حساسية العمل الذي كانت تقوم به الشركة، بسبب اضطرارها إلى الاستعانة بأعداد كبيرة من عمال النظافة، وما يعنيه ذلك من احتمال إساءة معاملتهم، بسبب ضعف حالهم وحاجتهم، فإن الشركة احتفظت بسجل عمل مميز ولم يُسمع عنها يوماً ما يسيء.

كنت أسعد دائماً بلقائه، خاصة بعد أن عرفت أنه صاحب التقويم الشهير، «روزنامة العجيري»، التي كانت تعلق عاماً بعد آخر في كل المكاتب والمحال التجارية، ومنها محل والدي، الذي كان والمحاسب يعتمدان عليها في معرفة التاريخ، وفي المصادف منه في القادم من الأيام، وتوقعات الطقس، وموعد تغيير الملابس الشتوية إلى صيفية، أو العكس، وغيرها من أمور كانت ضرورية في حينها.
***
كان العم صالح، بالرغم من علمه وثرائه، شخصاً صالحاً ومتواضعاً ومحبوباً، ومرحباً به في كل مكان، ولكنه كان يفضل ديوانية رفيقه المرحوم برجس البرجس.

كان عاشقاً لعمله وتقويمه الذي كان يصدره مرة كل عام. وبالرغم من مرور 70 عاماً على صدور التقويم فإنه لم يتغيّر، وبقي التصميم العام الخارجي كما هو، بخلاف صورة أمير البلاد التي تغيرت خمس مرات.

لم تكن الروزنامة تدر عليه الكثير، بالرغم مما كان يبذله في إصدارها من جهد ووقت، إلا أنها كانت شغله الشاغل طوال العام، حيث كان يهتم بما يكتب على هامشها السفلي، أو ما كان يدون من حكم وطرائف وأقوال خلف كل ورقة من أوراقها التي تغطي أيام العام. وكانت مضرب المثل في دقة حساباتها، ولذا اعتمدتها الدولة رسمياً.

لم يكن العم صالح فلكياً بارزاً وسابقاً لعصره فحسب، بل وأيضاً عالماً مستنيراً دخل منطقة شبه محرمة غير آبه بما كان يسمعه من انتقادات عن تصديه للتنبؤ، حتى تلك التي كانت تتعلق ببدء موسم «تكاثر الذباب»!
***
نتمنى تحويل بيت الفقيد الكبير العم صالح العجيري إلى متحف. فالراحل كان طوال حياته ممثلاً للجانب الطيب من تاريخنا، الذي اختفت منه أشياء كثيرة.

كما نتمنى على أسرته، أو أية جهة حكومية، الحرص على استمرار صدور «تقويم العجيري»، فهو منا وفينا!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top