أتاتورك وجول

لم يتأثر شعب بقائده في العصر الحديث كما تأثر الشعب التركي باصلاحات مصطفى كمال الذي اختار لنفسه لقب 'اتاتورك'، اي ابو الاتراك، بعد نجاحه في القضاء على ارث السلطنة العثمانية الذي امتد ل 623 عاما، وعندما مات اتاتورك في عام 1938، ترك وراءه جمهورية حديثة، وعلمانية بحكم دستور عام 1922.
وكاد العسكري الفارسي رضا خان، والذي نصب نفسه ملكا على ايران، في ثلاثينات القرن الماضي، بعد ان اختار لنفسه لقب 'بهلوي'، اثر انهيار حكم سلالة القاجار، ان يحذو حذو مصطفى كمال، ويحول ايران الى دولة علمانية حديثة، ولكن المؤسسة الدينية الشيعية في ايران كانت اكثر قوة ودهاء، حيث نجحت في احتوائه تدريجيا والحد كثيرا من طموحاته واحلامه الاصلاحية، ولولا تلك المعارضة الدينية لربما كان وضع ايران اليوم شيئا آخر!
محاولة وزير الخارجية التركي عبدالله جول، الشريك في التحالف الاسلامي الذي يحكم تركيا الآن، الوصول الى سدة الرئاسة التي كان يشغلها يوما مصطفى كمال، اعظم مصلحي القرن العشرين، يعتبر في حكم الانقلاب على كامل ارث ذلك الزعيم العظيم!، وبالتالي لم يكن مستغربا خروج الشعب التركي برمته، حتى نسبة كبيرة من الملتزمين الدينيين فيه، للشارع، بما في ذلك آلاف منظمات المجتمع المدني التركية، للتنديد بهذا الترشيح ولتعارض فكرة سيطرة الاسلاميين على هذا المنصب العالي الاهمية، كما ان معارضة الجيش لذلك الترشيح كان لها الاثر الاكبر في عدم نجاح جول في الحصول على دعم البرلمان التركي، وبالتالي انسحابه نهائيا من سباق الرئاسة.
ان زعماء تركيا، من مدنيين وعسكريين، يعلمون جيدا مدى خطورة ما يشكله وصول متشدد ديني لمنصب رئاسة الجمهورية، على الرغم من كل تأكيدات المرشح جول بحياديته وبعده عن التشدد الديني، فقد رأوا جميعا الدمارين السياسي والاقتصادي الذي حل بالدول التي سعت لتطبيق نموذج الدولة الاسلامية، وهو نموذج هلامي غير محدد المعالم يخضع لاهواء الحاكم ورغباته اكثر منه لقواعد وقوانين واضحة متفق عليها، كما ان موقع تركيا الملاصق لاوروبا وحلمها القديم بالانضمام للاتحاد الاوروبي، وما يمثله من دعم معنوي واقتصادي لها، لا يسمح بالدخول في مخاطرة من هذا النوع، فما حققته تركيا من تقدم انساني وصناعي وديموقراطي بارز يمكن ان يتلاشى تدريجيا بوجود 'متشدد' في سدة الرئاسة!
وهكذا يثبت الاتراك مرة اخرى انهم اذكى منا.. من جماعتنا.

الارشيف

Back to Top