كيف انتصرت «إسرائيل» على «حماس»؟

طوال الحرب، غير العادلة ولا المتكافئة إطلاقاً، وغير المسبوقة في التاريخ، بين فصيل فلسطيني صغير يسمى «حماس»، لا ينتمي لأي دولة، وفق المعطيات المتوافرة، بخلاف كونه يمثل مجموعة من المسلحين المؤمنين بعدالة قضيتهم، وبين دولة هي الأقوى اقتصادياً والأكثر تسليحاً والأكثر تقدماً، حربياً وتكنولوجياً ومخابراتياً، وفوق ذلك تقف أعتى دول العالم وأكثرها بطشاً وقوة ومالاً، خلفها، وهي حالة نادرة في تاريخ البشرية، ومع كل عدم التكافؤ بين الطرفين، طالت «الحرب» بينهما لأكثر من سنتين، تمسّك فيها الطرف الأقوى بموقفه وتعهداته بأن حملته العسكرية لن تتوقف إلا مع هزيمة الطرف الآخر، والقضاء التام عليه، وتحرير كل الرهائن لديه، وأن الجيش الإسرائيلي، بعتاده الفائق في تقدمه وقوته، وطائراته الأفضل في سلاح أي جيش في العالم، ودباباته التي تحلم أي دولة باقتناء عشر منها، سيشن عملياته براً وجواً وبحراً، مع تجويع شعب غزة، وفرض حصار شامل كامل عليه، وقطع الماء والكهرباء والغاز والغذاء والوقود عنه، إلى أن يستسلم، دون أي شروط، أو يفنى تماماً.
مرت سنتان، حدث فيهما دمار شامل للقطاع، وسحقت كامل بنيته التحتية والفوقية، ولقي عشرات الآلاف حتفهم، وأضعافهم من الجرحي، ومع هذا لم يتم القضاء على ما كانت «حماس» تشكله من خطر على أمن «إسرائيل»، ولم يُطلَق سراح الرهائن، إلا بشروط «حماس».

كما تم إجهاض ما تعتقد «إسرائيل» من وعود الرب بأرض إسرائيل الممتدة حتى الجزيرة العربية. ودفع نتانياهو ثمناً باهظاً لم يتخيله، حيث انقلب العالم، الغربي بالذات، ضد «إسرائيل» وانكشفت خطورة الفكر الصهيوني، وانحراف منظمة أيباك، وتعطش القيادة الإسرائيلية للتوسع وسفك الدماء، وانتهى الأمر بجلوس ممثلي «الفصيل الفلسطيني»، الذي كان هدف هذه الحرب القضاء عليه، كطرف أصيل، مع الطرف الآخر، الإسرائيلي والأمريكي، وكان اللقاء كافياً لإثبات تبخر كل تعهدات «إسرائيل»، منذ اليوم الأول، وحتى ساعات من عقد المفاوضات. وسينتهي الأمر غالباً بتأسيس دولة فلسطينية.. ما!
* * *
كانت الحماسة الدينية، وبالذات خلال الحروب الدينية، دافعاً قوياً لاستبسال الجنود في المعارك، وهذا ما استخدمته «حماس». لكن هذا الحماس الديني لم يكن يوماً كافياً لإدارة الدولة، بعد أن تضع الحرب أوزارها، فالمهارات المطلوبة بعدها تختلف عن مهارات ساحات الحروب، وخير مثال الإعدامات الميدانية العشوائية التي قامت بها «حماس» فور عودة سيطرتها على أجزاء كبيرة من غزة، والتي كشفت عن الجانب الشديد التعقيد والظلام فيها!

وبالتالي على «حماس»، أن تعرف قدراتها، وأن تتنحى عن مهمة إدارة الدولة المرتقبة، وتترك الأمر لمن بإمكانهم ذلك. أو أن تتحول لفصيل مدني، يؤمن بالديموقراطية، فليس هناك ما هو أكثر ضرراً على القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، المتعدد الأعراق والديانات، والأفكار والمعتقدات، من فرض حكم ديني عليه. وتأييدنا وغيرنا، والعالم أجمع، لـ«حماس» سيتبخر عند أول تجاوز لحدودها، وهذا متوقع غالباً، ونتمنى أن تكون أكثر ذكاءً وتتجنب الوقوع في هذا الخطأ المميت.
* * *
خلال ذروة الحرب الفلسطينية – الإسرائيلية، قام الصحافي الغزاوي صالح الجعفراوي بشن حملة جمع تبرعات لبناء مستشفى في غزة. وجه نداءه للكويت، وطالب بإيصال المبلغ له لتحقيق ذلك!

تجاوب «الإخوان المسلمون» هنا مع طلبه، ونجحوا خلال أيام في جمع مبلغ يقارب 13 مليون دولار، فلفت صديق نظري للأمر وخطورته، فأبلغت السلطات بشكوكي في هدف الحملة، فتم وقف تحويل المبلغ. وأمس جاء خبر مقتل الجعفراوي، في اشتباك وقع بين مسلحين من «حماس» وآخرين مناوئين لهم، ولا أعلم في أية جهة كان الجعفراوي.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top