بوابة العقل

ذكر لي صديق ووزير سياحة عربي، المثال التالي على مدى تخلف انظمة التعليم في دولنا، وخاصة ما تعلق باستخدام انظمة الاتصال والمعرفة الحديثة، وقال انه، ضمن جهوده لتطوير السياحة، قرر أن ينشئ موقعا إلكترونيا لوزارته يمكن للسائح عن طريقه الحصول على ما يريد من معلومات وإجراء حجوزات الفنادق والمطاعم بأسهل الطرق. وقال إنه تقدم بطلب لديوان المحاسبة بعنوان «البوابة الإلكترونية» للحصول على موافقتها على صرف المبلغ، وبعد تأخر وصول الموافقة قام شخصيا بالاتصال برئيس الديوان، فقال له هذا إن الطلب مرفوض لأن وزارة السياحة ليست بحاجة لـ «بوابة الكترونية»، فعدد العسكريين على مدخلها كاف!
وفي سياق التعلم والتعليم، وفي جلسة جمعتنا بالأستاذ فخري شهاب، الاقتصادي الكويتي الكبير، قبل بضع سنوات، ذكر لنا أنه عندما انتقل والده من العراق للعمل في البحرين أدخله والده مدرسة دينية تقليدية، وهي التي يكون فيها البواب والمالك والمدرس والناظر شخصاً واحداً، والمنهج مكون من مادة واحدة فقط، ويقول إن من ذكرياته أن الملا كان يكافئ التلميذ المجد بمنحه «شرف» التقاط القمل من شعر رأسه أو لحيته الكثة!
وقد أعادتني قصة الأستاذ فخري مع الملا لتجربتي الشخصية، فبالرغم من عقلية والدي المتفتحة، مقارنة بالكثيرين من جيله، وربما الفضل في ذلك لتعدد قراءاته وانفتاحه على الآخر، وهذا سبب معارضة المؤسسة الدينية لأي قراءة خارج ما يرغبون من الآخرين قراءته والاطلاع عليه! اقول بالرغم من تقدم فكر والدي، فإنه اضطر لأن يرسلني الى «الكُتّاب» أو الملا لتلقي الدروس الدينية، وكان ذلك قبل ستين عاما تقريبا، ولا تزال ذكريات تلك المرحلة التي لم تدم لأكثر من شهرين أو ثلاثة عالقة بذاكرتي، فلا أزال أتذكر هيئة الملا المخيفة والمبهدلة، وإصراره على مشاركتي في لفافة الخبز المدهونة بالزبدة والسكر التي كنت آخذها معي. كما أتذكر الحصير الخشن الذي كنا نجلس عليه والذي كانت آثاره، بعد طول جلوس، تنحفر في أقدامنا، كما كانت قطعة القماش المهترئة فوق رؤوسنا تمرر اشعة الشمس الحارة أكثر مما تحجب. وبالرغم من أن الذهاب الى الملا كان يمنعنا من التسكع، كصبية أشقياء، في الشارع، فإن وجودنا عنده كان عبثا ما بعده عبث. ولو قارنا الوضع بعد 60 عاما، في ضوء ما ورد من مصائب في ملف القبس عن التعليم، وبعد صرف مليارات الدولارات، فإن الوضع، نسبيا، لم يتقدم كثيرا، والفضل للعقليات التي كبست على انفاس كل مبدع وفنان ومحب للحرية. وبالمناسبة، توجد في أفغانستان وباكستان اليوم أكثر من 150 ألف مدرسة طبق الأصل عن المدرسة «النموذجية» التي كنت أدرس فيها وأنا في السادسة من عمري، وهي مدارس لم تفرخ غير جيش طالباني وقادة افغان، وعليك تخيل ما سيكون عليه حال عالمنا الإسلامي بعد نصف قرن!

الارشيف

Back to Top