أين تكمن المشكلة؟

تشكو الدول الإسلامية قاطبة، بدرجات متفاوتة، من تخلف عام، وحدهما ماليزيا وتركيا تمكنتا في نصف القرن الماضي فقط، من الفكاك من هذا التعميم وتحقيق تقدم بارز في أكثر من مجال، ولكل واحدة أسبابها، فماليزيا تدين بتقدمها للعنصر الصيني من مواطنيها، الذي كان له الفضل في الاهتمام بزراعة أشجار المطاط، وفي مرحلة تالية تحولهم للصناعة وتحقيق تقدم تجاري جعل ماليزيا نموذجا يحتذى. كما ساهم تعدد أعراقها في نجاحها وانقاذها من الجمود والتطرف الديني. أما تركيا فنجاحها يكمن في غنى مواردها وحجم سكانها الكبير وقربها من أوروبا وبالطبع نظامها العلماني.
واستطرادا نلاحظ أن كل الأقليات غير المسلمة في الدول الإسلامية تتمتع بقدر واضح من الثراء النسبي مع ارتفاع نسب المتعلمين بينهم وصغر حجم اسرهم، نتيجة ما يسمى بآلية الدفاع defense mechanism. ولكن لو نظرنا لأوضاع الأقليات المسلمة التي في الدول غير المسلمة، كمسلمي الصين وتايلند والفلبين وغيرها، لوجدنا أنهم يفتقدون آلية الدفاع، وبالتالي تعاني جميعها تقريبا من أعراض تخلف مجتمعات الدول الإسلامية نفسها.
مناسبة هذا الحديث يعود للنظرية الجديدة التي توصل اليها أخيراً eric chaney، أستاذ مساعد الاقتصاد في جامعة هارفارد، والتي أثارت تعليقات عدة في الغرب، حيث ذكر أن الدول العربية، كما هو معروف، تعاني نقصا حادا في الديموقراطية، وتشكل أنظمتها الدكتاتورية ثلث حجم الأنظمة المستبدة في العالم، وأن هذا النقص في الديموقراطية امتد، بتأثير منها، لمناطق خارج حدودها، وشمل المناطق التي سبق أن حكمها الأمويون والعباسيون والفاطميون وغيرها من الدويلات الإسلامية، والتي سبق أن اجتاحتها جحافل جيوش المسلمين العرب، فقد أصبحت هذه، لأسباب عدة، أكثر رفضا للديموقراطية مقارنة بالمناطق الإسلامية التي لم تصلها تلك الجيوش! ويقول ان من أسباب ذلك برأيه هو مساهمة أو دور الدولة أو الحكومة الكبير في الناتج القومي لهذه الدول، مقارنة بتلك التي لم تصلها الجيوش، وافتقارها الشديد لمؤسسات المجتمع المدني، والاتحادات العمالية، وضعف قدرتها المادية، وأخيرا ذلك التحالف «التاريخي» بين «حكام» ودكتاتورية هذه الدول والمؤسسة الدينية، وهو ما أدى الى القضاء على عنصر المنافسة في المجتمع، وأكسب القوى المحافظة القدرة على معارضة أي تغيير سياسي قد يتطور مع الوقت ويصبح في غير مصلحتها! وبالتالي فالدول التي وصلتها جيوش الفتح او الغزو أكثر رفضا للديموقراطية من غيرها.
وتصديقا لجانب من هذه النظرية، فقد توصل يوهان غوتنبرغ عام 1450 الى اختراع المطبعة، التي اعتبرها الأخطر في تاريخ البشرية! ولكن السلطان العثماني بايزيد الثاني، لم يقبل بها في حينه، بموجب فتوى دينية بحجة أنها قد تفتح الطريق لطباعة مصحف محرف، ولكن السلطان نفسه سمح لليهود باستخدام المطبعة للحفاظ على تراثهم الديني من الضياع! وأول مطبعة عرفها المسلمون كانت في مصر، ولكن بعد 370 عاما من اختراعها، وعليكم حساب التأثير السلبي لتلك الفتوى على كل العلوم والعقول.

الارشيف

Back to Top