ظاهرة مسلم البراك

لا شك في أن النائب السابق مسلم البراك يشكّل ظاهرة قل ما يماثلها في حياتنا السياسية، ويبقى الأكثر بروزاً واستدامة وجماهيرية... سلبية!
فلدى البراك، النقابي السابق، وقبل أن يكون نائباً، شخصية قوية وحضور جماهيري وقدرة على إثارتها، مع صوت جهوري وملكة خطابة، وقدرة على المواجهة، مع فهم بكيفية الاستفادة والاستعانة بقدرات ودعم الآخرين له في طريقه، لكنه يبقى ظاهرة «مناطقية» لا تشمل الوطن بأكمله، ولا كل قضاياه الحيوية.
* * *
ينحصر دور النائب في أغلبية برلمانات العالم في التشريع ورقابة أعمال الحكومة، وخدمة ناخبي منطقته، ضمن القانون. والبراك بنى أغلبية شعبيته على الأخيرة، وبدعم حكومي كامل ومستمر، حتى آخر أيامه كنائب. حتى رقابته على الحكومة كانت «منتقاة»، ولم تكن شاملة، وبالتالي فإن القاعدة العريضة التي كانت ولا تزال تؤيده تنطلق أساساً من فائدتها منه من جهة، ومن غضبها من تجاوزات وأخطاء بعض الحكومات المتعاقبة، وحرمانها من «المزايا المادية»، ومن الخدمات التي حصلت عليها المناطق الداخلية مقارنة بالخارجية، والفساد المستمر في الإدارة الحكومية لأغلب مؤسساتها، الذي دفع حتى أهالي الداخلية إلى مشاركة الخارجية في تأييد مسلم والتذمر من الحكومة، والمطالبة بتوزيع «أموال الدولة» على إسقاط القروض وزيادة المعاشات ودفعها حتى لمن لا يعمل، وفيلا لكل مواطن، بصرف النظر عن تبعات كل ذلك، فأموال الدولة ضائعة أصلاً على الغير، فلِمَ لا تضيع عليهم.
* * *
لو نظرنا إلى تاريخ البراك السياسي الذي بدأ منذ عام 1996، لوجدناه خالياً تقريباً من المشاركة الفعالة في تقديم مشاريع قوانين بناءة، بل كانت مشاركته سلبية، ولكن جماهيرية وجاذبة.

فقد ركز جهوده غالباً على استجواب الوزراء الأقوياء، وأطاح بهم الواحد تلو الآخر، سواء الصالحين منهم أو الطالحين.

كما صوّت في ثلاث مرات، وفي ثلاثة مجالس نيابية، ضد إعطاء المرأة حقوقها السياسية.

كما صوّت دائماً مع قضية إسقاط القروض، الشعبية جداً!

وكل ذلك ساعد في دعم شعبيته، وفي منطقته، خصوصاً مع استمرار ضعف الحكومات المتعاقبة، واضطرارها إلى تلبية مطالبه، وهذا زاد من شعبيته، وزاد من «صداعها»!

ولكن النائب السابق البراك لم يهتم يوماً بقضية التعليم، ولم يولها أي اهتمام.

كما لم تعن له قضية الحريات شيئاً.

ولم يلتفت يوماً إلى مواضيع الثقافة ولا حتى القضايا التجارية، بل كان همه سياسياً، وبناء القاعدة الشعبية التي اكتسحت كل منافسيه.
* * *
الكويت الجديدة، كويت ما بعد العفو، بحاجة إلى قيام النائب السابق مسلم البراك، في حال عودته إلى السياسة، بتكريس قدراته على الأمور التي تطرق إليها في خطابه الأخير، والتوقف عن سابق دوره الذي تمثل في إرهاب الحكومة، وغالباً ليس من أجل المصلحة العامة!

نريد من البراك السعي إلى تأسيس دولة المؤسسات، وليس تكريس الوساطة.

نريد قيادة معارضة وطنية حقيقية، فلا معنى لبرلمان من دون معارضة، وليس تلك التي يسعى كل فرد فيها إلى الحصول على حصته من «الكيكة»!

نريد مجلس أمة يسعى إلى تعلية سقف الحريات، فالعالم يميل إلى الانفتاح، نريد منه مجلساً يدعم الفنون والآداب والثقافة، بمعانيها الحقيقية.

نريد مجلس أمة يسعى إلى الوحدة الوطنية ويجرم بقوة أعداءها.

نريد معارضة تهتم بأم القضايا وأكثرها خطورة وهي قضية التعليم وتطويره.

نريد مشاركته في تطوير خدمات الأجهزة الحكومية.

فالفشل في تحقيق ذلك سيكرّس وجود الظواهر السلبية، وسندور في الحلقة المفرغة للأبد. فالحكومة هي التي تصنع «النائب الذي يخيفها» من خلال تقاعسها عن تطوير إدارتها، ورفض طلبات مواطنيها، فيقوم هذا باللجوء إلى نائبه، فيلبيها الأخير له، بقبول ورضا حكومي، فيكسب النائب صوت ناخبه وولاءه... للأبد.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top