المدلّس السعيد بالفتنة النائمة

يُنصح عادة بالإبقاء على «الفتنة نائمة»، إذا كان في إيقاظها ضرر كبير!
أو أن تكون للمطالب بإبقائها نائمة مصلحة شخصية أو طائفية أو قبلية!

فالغالبية المدركة تعلم، وبين هؤلاء كبار رجال الدولة والأمن، أن أعداد من حصلوا على الجنسية بطرق غير قانونية وغير شريفة، على الأقل منذ التحرير وحتى الأمس القريب، يعدون بعشرات الآلاف، وربما أكثر! ومطالبة البعض «المشبوهة» بالسكوت عن خطر وجود هؤلاء المجرمين بيننا، بحجة إبقاء الفتنة نائمة، هو الخراب بعينه.

فالمسألة لا تتعلق بعملية سطو أو سرقة مصرف، ولا حتى قتل بريء، بل أخطر من ذلك بكثير! فجريمة هؤلاء المزورين طالت هوية وطن وأمنه واستقراره، ورفاهية أبنائه.

فلو افترضنا أن هناك عشرة آلاف مزور، فهذا يعني أن لدينا ما يماثلهم عدداً من خونة الأوطان. فهؤلاء سيبيعون الكويت بالسهولة نفسها التي باعوا فيها وطنهم الأصلي.

ويعني الأمر أن هؤلاء حصلوا على آلاف البيوت الجاهزة والأراضي السكنية والقروض الحكومية الميسرة، وغير ذلك من المزايا الهائلة، التي استولوا عليها لأنفسهم من دون وجه حق وحرموا من يماثلهم عدداً من المواطنين الشرفاء من حقوقهم في السكن اللائق والوظيفة المحترمة والعلاج والتعليم، وغير ذلك الكثير.

كما تعني أن أبناء وبنات هؤلاء تصاهروا بغيرهم، وخدعوهم، على أساس أنهم «شرفاء» وأبناء أسر وقبائل كويتية معروفة، وتلاعبوا بهم وبعواطفهم واستغلوا حسن نيتهم!
***
قد نكون من هواة «التدليس»، كما يصفنا البعض، من دون الإشارة إلى أين ومتى وقع التدليس. وقد نكون علمانيين متخلفين وليبراليين مبتذلين (ولا أعرف ما تعنيه هذه الصفات) ولكننا نعشق هذا الوطن ونخلص له، ولم نقسم على يمين الولاء والطاعة لمرشد متخلف على حسابه.

وإن كنا من المدلسين، بماذا يفسر هؤلاء، ومن هم من طينتهم، حكم محكمة التمييز الذي قضى بتأكيد «عدم سقوط قضايا التزوير بالتقادم»؟

ولماذا أيد الجميع هذا الحكم العظيم لقاضٍ فذ، ومنهم من سبق أن طالبوا بعدم إيقاظ الفتنة، وتركها نائمة؟

السبب، لأننا جميعاً شعرنا بحجم الخراب والضرر السياسي والاجتماعي والمالي والأمني الهائل الذي تسبب به مزور واحد، فكيف بما تسبب به خمسة أو عشرة آلاف مزور؟

يقول جاهل وأحمق، تعليقاً على حكم التمييز بخصوص المزور، بأن حكمه أخذ سنوات طويلة، وحيث إن هناك مئات آلاف حالات التزوير (هكذا) فكم سيستغرق الحكم فيها، وبالتالي علينا إغلاق الملف، غير مدرك أن العبرة في المبدأ. فكون الشرطة غير قادرة على القبض على كل لص لا يعني أن عليها التخلي عن واجباتها!

كما يتباكى هؤلاء أنفسهم على الخطر الذي ستتعرض له «اللُّحمة الوطنية» إن بدأت السلطات البحث في قضايا تزوير الجناسي، وكيف أن فئة ما ستكون من أكبر المتضررين! وطالبوا المنادين بفتح ملفات التزوير بأن «يتقوا» الله في الكويت، وهم الذين لم «يتقوا الله» فيها داخل خيمة الخيبة، ولا بين يدي المرشد.

وأخيراً أتساءل: لِمَ لم تطالب إلا «فئات محددة» بعدم فتح ملفات تزوير الجنسية، هل لأنهم محل اتهام مثلاً، وأشك في ذلك؟

إن أية مقارنة بين أعداد كل فئة من المواطنين، بعد الانتهاء كلياً من التجنيس في بداية الستينات، أو حتى بعد التحرير، بأعدادهم حالياً، يمكن أن تفسر سبب غضبتهم العارمة ورفضهم المستميت فتح ملف المزورين!

وكاد المريب أن يقول خذوني.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top