إطالة العمر في زمن «الكورونا»

اكتشفت د. إليزابيث بلاكبيرن (1948)، الحائزة نوبل في علم الوظائف، قبل سنوات مؤشراً بيولوجياً اسمته «تيلوميراز»، وهو الإنزيم الذي يغذي التيلوميرات telemeres التي تحمي تراثنا الجيني. وبينت أبحاثها أن طول وصحة التيلوميرات يؤشران إلى سلامة الارتباط بين العقل والجسم، وعلى طول العمر. وقالت إن إجراء بعض التغييرات على عاداتنا يمكن أن يحميها ويزيد من عدد السنوات التي نبقى فيها بصحة جيدة ونشطة وخالية من الأمراض، ومنها نوعية النوم والتمارين الرياضية والنظام الغذائي وتجنّب المضافات الكيميائية في الأغذية، مع تجنّب الإجهاد المزمن والأفكار السلبية والعلاقات المتوترة. وأضافت أن التيلوميرات تتجاوب مع الإنسان وتستوعب التعليمات والمشاعر التي تصلها، سواء كانت توتراً أو استرخاءً أو حزناً أو سعادة. وبالتالي تسهم التيلوميرات في حالة دماغك ومزاجك وفي سرعة تقدّمك في العمر، وخطر الإصابة بالأمراض.
مناسبة العودة إلى كتاب «بلاكبيرن» يرجع لمقال كتبه الباحث الإسرائيلي «يوفال هراري»، قبل بضعة أشهر، ذكر فيه أن تشكيل العالم الحديث تم من خلال موقف ثوري بأن البشر يمكنهم السيطرة على الموت وهزيمته بإدامة أمد الحياة. فحتى عقود قليلة كان الاعتقاد أن الموت أمر حتمي ومصدر رئيسي لمعنى الحياة. كما كان سائداً عند الكثيرين، وما يزال، أن يوماً ما سيقضي القدر على الموت من خلال لفتة ميتافيزيقية كبرى، مثل مجيء المسيح. ولكن مع الثورة العلمية أعطي الموت معنى مختلفاً، وتوقف أن يكون أمراً محتماً من الناحية النظرية ، بل مجرّد مشكلة تقنية. فالبشر يموتون دائماً بسبب خلل تقني، كتوقف القلب عن ضخ الدم، وتدمير السرطان للكبد، وتكاثر الفيروسات في الرئتين. وكل مشكلة تقنية لها حل. وبالتالي لسنا بحاجة إلى معجزات. فإذا عانى القلب، فيمكننا تحفيزه أو حتى زرع جديد بدلاً عنه، وهكذا.

صحيح أننا عاجزون حالياً عن حل كل المشكلات التقنية، لكن أفضل العقول أصبحت منهمكة في قضايا إطالة العمر، وتحقق وتبحث في الأنظمة الميكروبيولوجية والفيزيولوجية والجينية المسؤولة عن المرض والشيخوخة، وتطور أدوية جديدة وعلاجات ثورية، وحققت في سعيها نجاحاً ملحوظاً. فعلى مدى القرنين الماضيين، قفز متوسط العمر المتوقع من أقل من 40 عاماً إلى 72 عاماً في جميع أنحاء العالم، وإلى أكثر من 80 في بعض الدول. كما نجح الأطفال على وجه الخصوص في الفرار من براثن الموت، بعد أن كان ثلثهم، وحتى القرن العشرين، لا يصل إلى مرحلة البلوغ.
***
ويتساءل هراري: هل سيغيّر وباء الكورونا المواقف البشرية من الموت؟ ويجيب بأن على الأغلب لا! بل ستتسبب «الكورونا» غالباً في مضاعفة الجهود لحماية أرواح البشر.

فعندما كان وباء ما ينتشر في مجتمع ما قبل الحداثة، كان الناس يخافون على حياتهم ويخشون موت أحبتهم، وكان رد الفعل على ذلك هو الاستسلام للعقاب السماوي!

ولكن عندما يموت الكثيرون في عصرنا، نتيجة حادث مروع، فإننا نميل إلى اعتبار ما وقع فشلاً بشرياً كان يمكن منعه وليس عقاباً سماوياً. كما أصبح الموت الجماعي في زمننا سبباً لرفع دعاوى قضائية والبحث عن المتسبب وليس نسبتها إلى قوى خارقة.

فالأبطال اليوم ليسوا الكهنة والوعاظ، بل الأطباء والعلماء في المختبرات، فالعالم لم يفقد يوماً الأمل في اكتشاف علاج للكورونا، وكان على رجال الدين خلال ذلك «الإنصات» للعلماء وإغلاق دور العبادة.

ويخلص هراري إلى القول بأن البشرية بحاجة إلى أقل من قرنين لجعل الحياة تستمر ، وإلى ذلك الحين، سنفقد أحبتنا، وسنموت يوماً ما.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top