هل هي سنية - شيعية.. أم تعليمية حضارية..؟!

في ظهر يوم السبت الربيعي الهادئ الذي مضى، أوقف رجل ملتح مركبته بالقرب من مدرسة «سيد الشهداء» في ضواحي العاصمة كابول، التي يدرس فيها صبية وفتيات على ثلاث فترات في اليوم الواحد، واختار متعمداً ساعة خروج الفتيات البريئات من المدرسة، وقام بتفجير سيارته المفخخة، وأتبعها بتفجيرين آخرين، فقطع أجساد 85 صبية وحولهن إلى أشلاء صغيرة أمام أعين أهاليهن، الذين كانوا بانتظارهن. كما أصيب في التفجيرات قرابة 150 آخرين بين طفل وامرأة ورجل، بينما كان البعض منهم يتسوق لعيد «رمضان»!
***
بسبب بشاعة الجريمة، أو المجزرة البشرية غير الإنسانية بحق أبرياء صغار، انكرت طالبان مسؤوليتها عن الحادث والتزمت «الدولة الإسلامية» الصمت، ولكن ذلك لم يبرئ أياً منهما من المسؤولية، فهم لم يخفوا يوماً كراهيتهم للشيعة، أينما كانوا، وهذا أمر يدخل في النزاع الطائفي البشع بين الطائفتين، وثأرهم بعضهم من بعض، والذي يمكن للمراقب البعيد والمحايد تفهم دوافعه، ولكن جعل فتيات صغيرات بعمر الزهور هدفاً يعني أن الأمر ليس طائفياً فقط، بل يستهدف إرسال رسالة لكل أفغاني يصر على توفير أبسط أنواع التعليم لبناته وحتى أولاده، فقد سبق هذا التفجير الإجرامي بشهرين تقريباً هجوم طالباني مسلح على جامعة كابول، أودى بحياة عشرات طلاب الجامعة وأساتذتها وموظفيها.
***
في يوم التفجر الإجرامي نفسه في الشقيقة «أفغانستان»، وقبلها بيوم وبعدها بيومين، شهدت شوارع حي «الشيخ جراح» في القدس الشرقية اضطرابات واشتباكات بين فلسطينيين مدنيين من جهة ومستوطنين وجنود إسرائيليين، وذلك على خلفية دعوى قانونية طويلة الأمد أقامتها 24 عائلة فلسطينية مطالبة بحقها في البيوت التي لجأت إليها عام 1956، بعد نكبة 1948!

فالمستوطنون يدعون أن البيوت أصبحت ملكهم بعد حرب 1967، والفلسطينيون يقولون إن حكومة الأردن، التي كانت الضفة قبل حرب 1967 تحت سيطرتها، وعدتهم بصكوك ملكية مساكنهم، وسلمتهم بعضها.
***
لحسن الحظ لم يسقط أي فلسطيني قتيلاً في الاشتباكات مع جنود الكيان ومستوطنيه والمواجهات المختلفة في حي الشيخ جراح حتى الآن، مقارنة بعدد القتلى الرهيب في عملية تفجير مدرسة سيد الشهداء، ومع هذا سكت المغردون وخرس الناشطون، وصمتت كل صحفنا، حتى القبس، عن التطرق للحادث الإجرامي، وكأن مصرع 85 طفلة أفغانية صغيرة، وجرح المئات في انفجار المدرسة، وقع قبل قرن، وفي كوكب آخر، وليس في صباح يوم 8/‏5/‏2021، في الوقت الذي حظيت فيه «الصدامات» بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود بتغطية كاملة في كل الصحف تقريباً، وصدر صفحاتها الأولى.

كما لم تنبس أي من المنظمات الدينية في «عالمنا الإسلامي» الرائع بحرف أو كلمة احتجاج على الجريمة التي وقعت في المدرسة الأفغانية، وسنتجاوز الجانب المذهبي في موقفها، ولكن ماذا عن الجانب الإنساني، ومقتل هذا العدد الرهيب من الفتيات البريئات في حادث تفجير غير مسبوق؟ وماذا عن مستقبل تعليم الفتيات في دولنا، أم أن أفغانستان ليست منا ولسنا منها، و«ضحاياها» لا يصلحون مادة للإثارة الصحافية؟

إن التزامنا بالقضية كما هو لم يتغيّر، ولكن هل خَلَت قلوبنا من الإنسانية تماماً؟!
***
نبارك لعضو حركة الإخوان المسلمين، السيد منصور عباس، اختياره نائباً في الكنيست الإسرائيلي، في يوم وقوع الاشتباكات نفسه. ونتساءل عن سبب سكوت التنظيم الدولي للإخوان، وفي هذا الوقت بالذات، عن هذا الاختيار، وعدم استنكار فعله.. على الأقل!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top