بروين اعتصامي

سأل واعظ ابنه: هل تعلم ما هو الإسلام؟ إنه الصدق وعدم إيذاء الغير وخدمة الناس، وتلك هي العبادة وهي مفتاح الحياة. فرد ولده قائلا: بهذا المعيار فإن في مدينتنا مسلما واحدا، وهو أرمني! بروين اعتصامي، شاعرة إسلامية ملتزمة.

تعتبر بروين اعتصامي، الشاعرة الإيرانية الأبرز، واحدة من أكبر مناصري حقوق المرأة. ولدت في تبريز عام 1906، وفقدت والدتها وهي طفلة، وأثر ذلك في نفسيتها وشعرها. والدها هو السياسي يوسف أنشياني، الملقب باعتصام الملك، أو اعتصامي، وكان له دور في تشجيعها على تلقي المعرفة من التراث الفارسي شعرا وادبا، إضافة لتعليمها العربية. قادها فضولها للإحاطة بسير وتراث كبار الكتاب والأدباء وأعمالهم، وكان والدها يزودها باستمرار بترجماته من العربية والفرنسية لبعض عمالقة الفكر والأدب، ونشر لها غالبية قصائدها في مجلة بهار التي كان يصدرها باللغتين الفارسية والكردية. وقد أدخل الأب ابنته مدرسة أميركية للبنات لتكون على علم ومعرفة بالتراث الغربي، وهذا دفعها للتفرغ لدراسة اللغة الانكليزية والتعرف الى كبار أدبائها. وعلىالرغم من الحياة القصيرة التي عاشتها بروين فإنها كانت حياة حافلة، ولكنها ممتلئة بالمآسي، فإضافة ليتمها المبكر فإن زواجها من ابن عمها لم يدم لأكثر من شهرين لعدم التكافؤ، عادت بعدها لكنف والدها، ولكن هذا لم يطل به العمر كثيرا، حيث توفي عنها عام 1937، وتركها وحيدة، ولم تنتظر هي أيضا، حيث لحقت به بعد أربعة أعوام، وكانت في الخامسة والثلاثين من عمرها، بعد أن جفت مآقيها من البكاء المر عليه، فقد كان بالنسبة لها الوالد والمعلم والمرشد.
دعت بروين في حياتها ونثرها وشعرها إلى تثقيف المرأة وإعطائها مزيدا من الحرية الشخصية والاستماع لرأيها، وتلبية حقوقها التي ترهلت مع الزمن. وبسبب آرائها الجريئة، مقارنة بعصرها، أساء الناس فهمها، لأنها رأت في المرأة شريكا لا يستغني عنه الرجل، فصعوبات الحياة لا يمكن مجابهتها فرادى، مثل المرأة والرجل كمثل السفينة والربان، فإن كانت السفينة محكمة، وكان ربانها عاقلا فلا خوف من الأمواج والاعاصير، وما هذه الفتاة اليوم الا أم المستقبل وبيدها مستقبل اسرتها، وأيضا بسبب آرائها اعتقد البعض أنها رجل! وفي عام 1935 قام بهار ملك شعراء إيران، بكتابة مقدمة أول ديوان لها، وجعلها فيه شاعرة العصر، ووضعها في مصاف شعراء إيران الأوائل، وقال ان شعرها يمكن مقارنته بشعر الشيرازي في ملامحه الأخلاقية والتربوية، وكذلك بشعر غوير الانكليزي، والشاعر الإيراني القديم ابن يمين. ومعروف أن أشعار بروين تفيض بالمشاعر الجياشة المتدفقة بخصوبة غريبة، وهي زاخرة بمعاني الشفافية والرقة وصدق المقاصد والرومانسية الحزينة الهادئة، ويتجلى حزنها في قصيدة «الطفل اليتيم» التي تعبر عن نفسيتها الحزينة لعدم رؤيتها والدتها وحرمانها من عطفها، حيث تقول فيها: أشياء رأيتها ولم أحبها، لم أر وجه أمي أبدا، والطفل اليتيم عيناه ليستا فرحتين، كم جميل نور وجه الأمهات، لكن لماذا لا أرى نورا أمامي؟ وكانت بروين تنظم القطع والقصائد على العروض العربية، إلا أنها كانت تحاول نظم قصائد القوافي، أو تنظم قطعا مدورة فتبدو وكأنها قطع نثرية موزونة، واتسم أسلوبها بالوضوح والرصانة! وعلى الرغم من غزارة انتاجها فإنها لم تكتب إلا قصيدة واحدة عن نفسها أوصت بكتابتها على شاهد قبرها، حيث تقول فيها: هذا التراب الذي تنامین فیه، هو نجم بروین وخطها، ان صاحبة الشعر واللحن الحزین، ترجو الیوم قراءة سورة الفاتحة ویس، المحبون هم الذین یذكرونها، والقلب الذي لا یعشق، لا یحب، كن ما كنت، ومن تكون فآخر المطاف هنا تكون، و مهما أوتیتَ من طغیان أیها المغرور، فعندما تصل الی هذا المقر، فانت بائس وخسران، ان بروین اليوم تُحلّق كالفراشة، كل من یری هذا یری عین الحقیقة.

الارشيف

Back to Top