زيادة الأدب في الكويت

وظيفة النائب في غالبية البرلمانات تتلخص بالمشاركة في سن القوانين، والموافقة على المعاهدات الدولية وإبرام الصلح وعقد التحالفات، ومراقبة أية نفقات غير واردة في الميزانية، وقبول أو رفض فرض الضرائب والرسوم، ومراقبة الثروة القومية، ومراجعة وإقرار ميزانية الدولة، والحق في تكوين لجان، وإبداء الرغبات في المسائل العامة، وحق الاستجواب وطرح الثقة بالوزراء وسحبها منهم، وإبداء عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء وغير ذلك. ولكن تبيّن من الممارسات، ومنذ عام 1963، أن أعداداً متزايدة من النواب لا تعنيهم هذه الأمور كثيراً، إلا ما تضمّن الأمر منفعة شخصية، سياسياً ومالياً. وبالتالي انصب همّ هؤلاء على الأمور التالية:

1 ــ تحقيق الثراء الشخصي، سواء من العطايا والمنح الحكومية ومن استغلال وضعهم الرقابي في تحقيق مصالحهم التجارية أو توسيعها، والدخول في صفقات مع الحكومة.

2 ــ تعيين أقاربهم وناخبيهم في مناصب الدولة العليا بصرف النظر عن الكفاءة.

3 ــ الاهتمام بتوفير مختلف الخدمات لمنطقتهم الانتخابية، من طرق وجمعيات ومساجد، وحتى الاهتمام بعمل فتحات وتركيب أعمدة إنارة ووضع حاويات زبالة.

***

هذا الاختلاف الجذري في النظر إلى مهمة أو وظيفة النائب أدى إلى بروز أو زيادة نطاق التوظيفات العشوائية، أو التعيين بالبراشوت في المناصب القيادية، دون المرور بقنوات الترقية العادية أو اتباع قاعدة الأقدمية أو الأهلية. مقابل هؤلاء كان همّ غيرهم، من اللاطائفيين واللاقبليين، ممارسة العمل البرلماني بطريقة سليمة، أو قريباً من ذلك، وبالتالي لم يرضوا غالباً لأنفسهم الطلب أو التوسل للوزراء، أو لرئيسهم توظيف أقربائهم أو ناخبيهم في المناصب العليا. وإن فعلوا ذلك، ففي أضيق الحدود ومن منطلق الاقتناع بكفاءة من يقومون بترشيحه. النتيجة التي أصبحنا نراها أمامنا أن النواب الذين تحلوا «بالأدب» وعزة النفس لم يحصل ناخبوهم أو أقرباؤهم على المناصب الدسمة، ولم يحققوا لأنفسهم ثروات غير مشروعة. أما الذين لم «يستحوا» فقد كانوا الأكثر حصداً للمناصب الحكومية لأقربائهم وناخبيهم، وهكذا رأينا أن الأدب والاستقامة أضرتا، وقلة الحياء وقوة العين.. أفادتا.

***

من الضروري بالتالي ترشيد هذا التصرف غير السليم وإصدار أمر أو قانون أو «سمّه ما تشاء» يمنع التعيين في أية وظيفة عالية، إن لم تتوافر في الموظف الاشتراطات المطلوبة، مع اجتياز اختبارات محددة. صدور مثل هذا القرار سيرفع الحرج عن رئيس الوزراء وبقية الوزراء، ويمنعهم من قبول أية استثناءات. ومن يحاول التعرّف على خلفية غالبية «كبار موظفي الدولة» سيعرف معنى موضوع هذا المقال، وهذا ليس تهجماً على النواب الذين سعوا وتوسطوا لتعيين أقربائهم أو ناخبيهم في أعلى المناصب وأفضل السفارات، بل هو انتقاد للنظام الإداري والسياسي الذي سمح بمثل هذه التعيينات.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top