جحا المطلاع وبغلة القاضي

كانت الدواب في الماضي، كالبغال والحمير والخيل والجمال، مثل السيارات اليوم، لها تخصصات في الاستخدام تختلف من بيئة لأخرى، فالبغال للجبال والخيول للسهول والجمال للصحاري وهكذا... وكانت لبعضها معزة لدى أصحابها، إن بسبب ندرتها أو ذكائها.

***

يحكى أن أحد الولاة كان لديه بغل مفضل لديه و«حاذق» (وهي كلمة كان والدي يكثر من استخدامها). وللاستفادة من ذكاء البغل قرر الوالي تعليمه القراءة، وعرض جائزة كبيرة لمن ينجح في المهمة، مع التهديد بقطع رأس من يفشل. كالعادة، هناك دائما من يتبرع للقيام بمثل هذه المهام المستحيلة، وكانت النتيجة أن جميعهم فقدوا رؤوسهم، فتوقف بقية المعتوهين عن دخول التجربة. ضاعف الوالي مبلغ الجائزة، وبعد انتظار لم يدم طويلا تقدم مولانا جحا للوالي قابلا التحدي، وعاد من قصر الوالي وهو يجر البغل خلفه، وبيده صرة ثقيلة. تجمع الناس حول جحا يسخرون من غبائه، ويتحسرون على موته المحتوم بسيف الوالي، ولكن جحا أسكتهم قائلا إنه طلب من الوالي أن يدفع له مبلغ الجائزة مقدما، وأن يمهله خمس سنوات ليعلم البغل القراءة، وحتى الكتابة، وكان له ما أراد. ثم سكت جحا قليلا وأكمل مقولته الشهيرة: سأستمتع بالمال طوال خمس سنوات، خلالها إما سيموت الوالي، أو أموت أنا، أو سينفق البغل الغبي!

***

يبدو أن قرار توزيع، والسماح ببناء قسائم منطقتي المطلاع وجنوب عبدالله المبارك، قد صدر بخلفية ورغبة «سياسية» على الرغم من كل المحاذير التي أبدتها أكثر من جهة مختصة. فلا توجد حتى الآن خطة لوجستية للمنطقة، ولا لكيفية تمويل القروض المطلوبة، ولا إجابات واضحة للعديد من الأسئلة الحيوية.

***

يبلغ عدد بيوت المشروع 13 ألف وحدة سكنية. وأصحابها سيحصلون على قروض ميسرة الدفع من دون أي فوائد من الدولة بحدود مليار دينار تقريبا، أو أكثر من ثلاثة مليارات دولار، هذا غير ما صرف وسيصرف على المشروع من بنية تحتية وطرق وجسور وكل الخدمات المتنوعة الأخرى، لخلق منطقة سكنية لما يقارب أربعمئة ألف نسمة. إن الإصرار على السير في منح التراخيص والسماح لأعداد كبيرة من المواطنين بالبناء في هذه الظروف الصعبة قرار يفتقد الحكمة، وكارثة بناء وفوضى قادمة لا محالة! وكان الممكن بنصف ذلك المبلغ وعشرة في المئة من مساحة الأرض بناء أجمل مجمع سكني يمكن تخيله، بكل الخدمات العصرية، ولكن يبدو أنني أصبحت أكلم نفسي كثيرا!  سنكتشف حجم المشكلة خلال سنوات قليلة، وسنبحث عن المسؤول، لمحاسبته، وسنكتشف حينها أنه أُقيل أو تقاعد، أو توفي. اقترح العودة لقراءة قصة جحا وبغلة الوالي!!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top