فلتة الانتخابات.. والعلاقة بين الأقلية والأغلبية

يرجى ملاحظة أن هذا المقال كتب من وحي الخاطر مستعينا بذاكرتي الهرمة، نوعا ما. واستخدامي لمصطلحات فئوية ومذهبية لا يعني إيماني بها وبمضامينها السياسية والاجتماعية.

***

نجاح الأستاذ حسن جوهر بالمركز الأول في الدائرة الأولى، وحصوله على ما يقارب الـ6000 صوت، بالرغم من وجود 22 مرشحا منافسا له من طائفته نفسها، وغيرهم، لفت نظر الكثير من المراقبين كظاهرة تستحق الدراسة، وبين أننا، ومنذ تجربتنا البرلمانية التي بدأت قبل 57 عاما، نبحث عن «النائب الوطني» ونطالب بمنحه فرصة الفوز.

***

لو قسمنا المجتمع الكويتي لثلاث فئات رئيسية، الحضر السُنّة، وأبناء القبائل، والحضر الشيعة، ودرسنا تاريخ أو خلفية كل من نجح في الانتخابات النيابية منذ عام 1963 وحتى 2020 لوجدنا أن القبيلة كانت وراء نجاح أغلب نواب المناطق القبلية، وهنا يحق لنا الافتراض، بتحفظ، أن ولاء هؤلاء قد يكون للقبيلة، وليس للوطن، وما يعنيه ذلك من تبعات خطيرة على الوحدة والسلم الوطني، ومبدأ الحقوق المتساوية، والإيمان بديمومة الدولة. كما كانت الطائفة في الوقت نفسه، وراء نجاح معظم نواب الشيعة في مناطقهم، وما مثله ذلك من تبعات على الوحدة الوطنية، والولاء للدولة، بسبب احتمال خضوع النائب، بصورة او بأخرى، لمرجع تقليد ديني خارجي قد لا تتفق رؤاه أو مصالحه مع سياسات ومصالح دولته، خاصة إن وقع خلاف بين دولته ودولة مرجعه، فهل سيقف مع وطنه «الأم» أو يأتمر بأمر المرجع.. الخارجي؟ وبالتالي لم أجد، مع الأسف، ضمن مئات النواب القبليين والشيعة، طوال الـ57 عاما ممن تنطبق عليه صفات المواطنة التي احبها الا القلة، كما وجدتها ضمن فئة النواب الحضر السنة، وأسماء الكثيرين منهم تتقافز أمامي وأنا أكتب هذا المقال.

***

أتمنى، وليس لدي غير التمني، ان يكون الأستاذ حسن جوهر فلتة الشوط و«الاستثناء» الذي طالما انتظرناه، وأن يستمر في أن يكون وطنياً في ولائه، قبل ان يكون شيعياً، وهذا ليس بالأمر الصعب، في السياسة والاجتماع، من واقع تجربتي الشخصية طوال أكثر من ستين عاما. وما يدعم موقف النائب جوهر، بالرغم من صعوبة تخلّصه من تهمة الطائفية، وخاصة من الذين يعتبرون التشيع «وشم عار» يرسم على جلد الشيعي يوم يولد، ويمحى بموته، ما عرف عن نزاهته ووضوح مواقفه الوطنية، خاصة في السنوات القليلة الماضية، بخلاف ما كان عليه وضعه، سياسيا، في بداية حياته النيابية. ولهذا نريد استنساخ النائب حسن جوهر، ونوجد ما يماثله بين أبناء القبائل وبين الشيعة، وحتى بين ابناء السنة الذين لا يزال البعض منهم يرفض فكرة انصهار أصواتهم مع مكونات المجتمع الأخرى، إما لمصالح دنيوية ضيقة او عائلية أو عن جهل.

***

ملاحظة أخيرة: قد يمارس البعض الطائفية بطريقة أو بأخرى، ولكنها - إن استبدلنا المصطلح البغيض (الطائفية)، بالمصطلح الأكثر دقة وهو: الطائفة - فإن الطائفة لا تمثل خطرا إن لم تجير لمصلحة دولة أخرى، أو تستخدم لإقصاء المواطن الآخر، المختلف. وبالتالي فإن طائفة الأقلية، خاصة إن لم تكن في الحكم، تمثل خطرا سياسيا فقط، فهي لا تملك ترف فرض نفسها على الأغلبية، كرفض توظيفها مثلا. إلا أن طائفية الأغلبية، بالرغم من قلة خطرها السياسي، بإمكانها فرض نفسها على الأقلية، خاصة إن كانت في الحكم، والإضرار بها بقوة. وهكذا نرى أن خطر طائفة الأقلية يتعلق بالولاء للوطن أساسا. وخطر الأغلبية يتعلق بالخوف من ممارسة الطغيان، وحتى الإفناء، على غيرها. وهنا نحتاج لأمرين حيويين: أن نتوقف، كأفراد، أن نكون طائفيين. وأن تتوقف الحكومة عن استغلال الطائفية لمصالحها، ونبذ سياسة «فرق تسد»! فهل نتعظ من تجارب الآخرين، ونتحد جميعا لانتشال هذا الوطن الجميل من عثراته؟.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top